الرياض - ياسر الجرجورة في السبت 13 ديسمبر 2025 02:49 صباحاً - في تطور صادم هز الأوساط المختلفة في المملكة العربية السعودية، تواجه 13 مليون نفس مصيراً مجهولاً خلال 24 ساعة فقط - رقم يعادل إخلاء مدينة إسطنبول بالكامل في يوم واحد. غرامة قدرها 1000 ريال تعادل راتب أسبوعين كاملين لعامل بناء أصبحت الحاجز الوحيد بين البقاء والترحيل الفوري من المملكة. القرار ساري المفعول الآن، ولا يوجد وقت للتفكير أو التخطيط، والمطارات تشهد مشاهد لم تحدث منذ عقود.
في مشهد يحبس الأنفاس، يقف محمد حسن، عامل البناء المصري البالغ 45 عاماً، أمام مكتب الجوازات وهو يرتجف من الخوف. "كنت أجر حقيبتي على رصيف المطار وأسمع بكاء أطفالي عبر الهاتف، شعرت وكأن حياتي تنتهي"، يقول بصوت متهدج وهو يحاول جمع 1000 ريال من راتبه الذي بالكاد يكفي لإعالة 5 أطفال. رائحة العرق البارد تملأ صالات الانتظار المكتظة، حيث تتردد أصداء صراخ الأطفال وأصوات الحقائب تُجر على الأرضيات الرخامية. هذا المشهد المؤلم يتكرر مع آلاف العمال الذين تُقدر خسائرهم المالية بمليارات الريالات.
يأتي هذا القرار التاريخي كجزء من رؤية 2030 الطموحة لرفع مشاركة المواطنين السعوديين في سوق العمل من 38% الحالية إلى مستويات أعلى بكثير. د. عبدالله المطيري، الخبير الاقتصادي المعروف، يحذر من تداعيات لم تشهدها المنطقة من قبل: "القرار مثل إنذار انتهاء بطاقة ائتمان، لكن العواقب هنا تدمر حياة كاملة وقد تؤدي لارتفاع حاد في أسعار الخدمات". المقارنة مع قرارات ترامب ضد المهاجرين واضحة للعيان، لكن النهج السعودي أكثر تنظيماً وقانونية، ما يجعل تأثيره أعمق وأطول مدى.
على الجانب الآخر من المعادلة، تحتفل سارة الأحمدي، الخريجة السعودية الحديثة، التي حصلت على وظيفة أحلامها في شركة كبرى بعد مغادرة الخبراء الأجانب. "أخيراً حصلت على الفرصة التي انتظرتها سنوات، راتبي تضاعف ثلاث مرات!"، تقول بفخر وعيناها تلمعان بالأمل. لكن أم خالد، ربة المنزل السعودية، تواجه تحدياً مختلفاً تماماً: "الخادمة غادرت فجأة وتركتني وحدي مع 4 أطفال، لا أعرف كيف سأدبر أمري". ملمس الأوراق المجعدة من كثرة البحث عن بدائل، ورائحة القهوة المر التي تملأ البيوت السعودية هذه الأيام، تحكي قصصاً إنسانية معقدة لا يمكن اختزالها في أرقام.
الخبراء يتوقعون فترة انتقالية عاصفة لمدة 6 أشهر قبل الوصول لاستقرار نسبي، مع ارتفاع متوقع في تكاليف الخدمات بنسبة 30-50%. التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن دقيق بين حماية فرص العمل للمواطنين والحفاظ على جودة الخدمات الأساسية التي اعتادت عليها الأسر السعودية لعقود. هل ستنجح المملكة في تحقيق هذا التوازن الدقيق دون هزات اجتماعية واقتصادية مدمرة، أم أن الثمن الإنساني سيكون أكبر من المكاسب المتوقعة؟ الساعات القادمة ستحدد مصير ملايين الأرواح على جانبي هذا القرار التاريخي.
