الرياض - ياسر الجرجورة في الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 11:53 مساءً - في أضخم استثمار شهدته البشرية، تبدأ 500 مليار دولار رحلتها عبر رمال الصحراء السعودية لتنحت مدينة بحجم دولة كاملة. الصور الجوية الحديثة من موقع "ذا لاين" تكشف المشهد المذهل: آلاف العمال ينتشرون كالنمل المنظم، بينما آلات عملاقة بحجم المباني تعيد تشكيل الأرض على مدار الساعة.
تنبثق من قلب صحراء نيوم معجزة هندسية ستمتد 170 كيلومتراً طولاً و500 متر ارتفاعاً - مبنى خطي يتفوق على برج خليفة بـ72 طابقاً إضافياً، ليصبح أطول هيكل خطي في التاريخ. "نشهد التاريخ يُكتب أمام أعيننا، هذا ليس مجرد مشروع... إنه ثورة حضرية حقيقية" تؤكد المهندسة سارة النمري، أول مهندسة سعودية تقود تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا العملاق المعماري.
ينطلق هذا الحلم العملاق ضمن رؤية السعودية 2030 الرامية لتحويل المملكة من اقتصاد نفطي إلى قوة تكنولوجية متنوعة. مثلما نهضت دبي من الصحراء وسنغافورة من المستنقعات، يستهدف مشروع نيوم احتضان 9 مليون نسمة في مدينة خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية، لتصبح "أكبر تجربة حضرية في التاريخ الحديث" كما يصفها الخبراء.
وراء هذا الطموح الجامح، تتكشف يومياً قصص إنسانية متنوعة الألوان. يحكي عبدالله المالكي، عامل الإنشاءات الذي يقضي 12 ساعة يومياً في حفر الأساسات العملاقة: "كل يوم أشعر أنني أبني المستقبل بيدي، لكن الضخامة مرعبة أحياناً". على الجانب الآخر، يحمل أحمد البلوي من قبيلة الحويطات مشاعر متضاربة بعد اضطراره لترك أرض أجداده: "أفهم أهمية المشروع، لكن قلبي ما زال مع الصحراء التي تربيت فيها".
مع ظهور الركائز الأولى للمدينة الخطية وتسارع وتيرة البناء، يقف العالم أمام أكبر رهان معماري في التاريخ. النجاح سيضع السعودية في مقدمة الدول الرائدة عالمياً في التكنولوجيا المستدامة، بينما الفشل سيعني كارثة مالية بحجم 500 مليار دولار. السؤال الذي يحير المتابعين: هل ستنتصر الرؤية الطموحة على تحديات الصحراء... أم ستبتلع الرمال أضخم حلم عمراني شهدته البشرية؟
