ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 12 يوليو 2025 11:46 مساءً - الأهالي يعانون من غياب مرافق شاملة تعنى بالتأهيل والرعاية
وزارة الأسرة تدرس نماذج بديلة للرعاية تشمل الإقامة المؤقتة
دراسات دولية تؤكد أن الإقامة طويلة الأمد تؤدي إلى زيادة العزلة
أصحاب الهمم بحاجة إلى فرص تدريب وتوظيف تحترم قدراتهم
طالب عدد من أهالي أصحاب الهمم الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة بضرورة إنشاء مراكز إقامة دائمة لهم، لا تقتصر على مرحلة الطفولة، بل تواكب احتياجاتهم في مراحل العمر كافة، مؤكدين أن عدم وجود مراكز تحتضن هذه الفئة من البالغين يرهق كاهل الأسر.
وفي جلسة للمجلس الوطني الاتحادي طرحت النائبة منى حماد سؤالاً لمعالي سناء سهيل وزيرة الأسرة، بشأن غياب مراكز إقامة دائمة، مؤكدة أن الأهالي يعانون من غياب مرافق شاملة تعنى بالتأهيل والرعاية، في بيئة مهيأة، تضمن الاستقلال والدمج لأصحاب الهمم، وتوفر لذويهم المعرفة الكافية لاحتياجاتهم، بالشكل الكافي، الذي يعين الأهالي وذوي أصحاب الهمم على رعاية أبنائهم، علاوة على تأهيلهم ورعايتهم، وصولاً بهم للاستقلالية في بيئة ميسرة وملائمة لهم، وبالشكل الذي يضمن دمجهم بصورة صحيحة في المجتمع، وتأهيل ذويهم وتثقيفهم حول الاحتياجات الخاصة بأبنائهم.
استراتيجية وطنية
وكان الرد على لسان معالي سناء سهيل، أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد استراتيجية وطنية شاملة لخدمات أصحاب الهمم، تهدف إلى سد الفجوات الحالية، وضمان عدالة التوزيع الجغرافي، وتعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، كما تدرس الوزارة نماذج بديلة للرعاية، تشمل الإقامة المؤقتة، وخيارات السكن الداعم شبه المستقل، بالإضافة إلى خدمات الرعاية المتنقلة، وذلك بهدف تحقيق التوازن بين تلبية الاحتياجات الملحة، والمحافظة على مبدأ الدمج والكرامة.
وذكرت أن الوزارة تشرف على 6 مراكز تأهيل متخصصة تخدم الأفراد من إمارة دبي حتى إمارة الفجيرة، مع إعطاء الأولوية للمواطنين من أصحاب الهمم، وجرى تصميم هذه المراكز لتكون غير مخصصة للإقامة، حيث تعتمد الوزارة في استراتيجيتها على نموذج الرعاية المجتمعية الشاملة والداعمة للدمج، إذ تؤمن بأن الأشخاص من أصحاب الهمم يجب أن يتلقوا الدعم في بيئتهم الأسرية والمجتمعية قدر الإمكان، بدلاً من الإقامة في مؤسسات مغلقة.
وأضافت: «أظهرت الدراسات الدولية أن الإقامة المؤسسية طويلة الأمد قد تؤدي إلى زيادة معدلات العزلة الاجتماعية، والانفصال عن الأسرة والمجتمع، خصوصاً بين الأطفال، والنظم المتقدمة في مجال رعاية أصحاب الهمم تتجه بشكل متزايد إلى نماذج الدمج والدعم المجتمعي بدلاً من الإيواء المؤسسي.
وتدرك الوزارة أن هناك حالات معقدة أو استثنائية تتطلب وجود خدمات تأهيل للإقامة المؤقتة أو المتخصصة خصوصاً في الظروف، التي يصعب فيها على الأسر تقديم الرعاية اللازمة، بسبب التحديات الطبية أو الاجتماعية أو الطارئة.
خسائر تراكمية
وقال محمد العمادي، مدير عام مركز دبي للتوحد، إن التحدي الأكبر الذي تواجهه الأسر لا يتمثل فقط في التشخيص، بل في غياب منظومة متكاملة للرعاية بعد سن 18.
وأوضح من واقع خبرته ومجاله أن اضطراب التوحد لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة، بل هو حالة دائمة تحتاج إلى تأهيل مستمر، وتطور في الخطط العلاجية، بما يتماشى مع نمو الشخص، وتغير حالته النفسية والجسدية.
وأضاف أن توقف الخدمات بعد سن البلوغ يتسبب في خسائر تراكمية، حيث يبدأ العديد من الشباب في فقدان المهارات، التي اكتسبوها خلال السنوات الدراسية، ويعودون تدريجياً إلى مراحل سابقة من التراجع السلوكي والعزلة الاجتماعية، ما يزيد من الضغط على أسرهم.
وأشار إلى أن المراهقة تعد مرحلة حساسة لذوي التوحد، إذ تتفاقم خلالها الأعراض، بسبب التغيرات الهرمونية، ما يؤدي إلى ظهور سلوكيات غير متوقعة مثل العدوانية أو إيذاء الذات أو الانسحاب من البيئة المحيطة.
كما لفت إلى أن نحو 25 % من المصابين بالتوحد معرضون لنوبات صرع في هذه المرحلة، وهو ما يجعل وجود فريق طبي ونفسي متكامل أمراً غير قابل للتأجيل.
وجدد دعوته لإطلاق برنامج وطني، يتضمن مراكز متخصصة، تقدم خدمات إقامة وتأهيل ورعاية نفسية لمن هم فوق سن 18، مؤكداً أن الدولة قطعت شوطاً مهماً في مرحلة ما قبل البلوغ، ولكن الفراغ المؤسسي بعد تلك المرحلة يحتاج إلى معالجة فورية.
نموذج ناجح
من جهتها، استعرضت الدكتورة منال جعرور، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لمتلازمة داون، الجهود التي تبذلها الجمعية منذ سنوات في تطوير مشاريع مهنية مخصصة للشباب والشابات من ذوي متلازمة داون، مشيرة إلى أن الجمعية أسست أكاديمية متخصصة لتدريبهم على مهارات الضيافة والطهي وخدمة الزوار، في بيئة تدريبية شبيهة بسوق العمل، ما مكن عدداً من المنتسبين من الحصول على وظائف فعلية، ضمن قطاعات الضيافة والخدمات، كما تم تأسيس مشغل خياطة لتأهيل الفتيات، بالإضافة إلى ورش إنتاج وتعبئة منتجات غذائية وتسويقية.
وقالت إن هذه المبادرات لم تكن ممكنة دون الدعم المؤسسي والتمويل المتخصص، لكنها تبقى محصورة ضمن قدرات الجمعية، مؤكدة أن توسعة هذه النماذج على مستوى وطني هو الطريق، لضمان استدامتها وتحقيق العدالة لجميع المستفيدين، مؤكدة أن أصحاب الهمم لا يحتاجون إلى الشفقة أو الرعاية التقليدية، بل إلى فرص تدريب وتوظيف، تحترم قدراتهم وتدفعهم نحو الاستقلالية، وأن المجتمع سيكون الخاسر الأكبر إذا تركت هذه الفئة دون استثمار.
مرحلة انتقالية
وأفادت إيمان عبدالكريم، مديرة البرنامج المدرسي في مركز دبي للتوحد، بأن مرحلة انتقالية جديدة يخوضها صاحب الهمة بعد تخرجه في مراكز التربية الخاصة عند سن الـ 18، مشيرة إلى أن هذه المرحلة تحمل العديد من التحديات لأولياء الأمور وللشباب أنفسهم، إذ يجد الأهل أنفسهم أمام تساؤلات محورية حول كيفية مواصلة دعم أبنائهم وتنمية مهاراتهم الحياتية والمهنية، في ظل اختلاف طبيعة الاحتياجات بعد هذه المرحلة عما كانت عليه في السنوات السابقة.
وذكرت أن دور الأسر يزداد في سبيل توفير بيئة داعمة ومحفزة للنمو والتطور المستمر، لكنها كثيراً ما تواجه مشاعر القلق بشأن المستقبل، وإمكانية توفر الفرص المناسبة لأبنائهم داخل المجتمع، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب فهماً عميقاً للتحولات التي تطرأ على احتياجات أصحاب الهمم، إلى جانب السعي لإيجاد أفضل السبل، التي تعزز استقلاليتهم وتدعم اندماجهم الاجتماعي، وأن مركز دبي للتوحد اتخذ خطوة مهمة منذ عام 2020، بتمديد سن القبول في المركز إلى 21 عاماً، بهدف إتاحة وقت أطول لتأهيل الطلبة وتعزيز مهاراتهم.
رغبة وطموحات وتتحدث مريم البلوشي عن معاناتها مناشدة بضرورة وجود مراكز، تتضمن الإقامة
والرعاية والتأهيل لفئة أصحاب الهمم من كل الإعاقات من أجل ضمان استمرار الرعاية، بما يتناسب مع أعمارهم المختلفة واحتياجاتهم، مشيرة إلى أن العمر يتغير، لكن الإعاقة لا تتغير.
وأعربت عن رغبتها في توفير مراكز متخصصة لأصحاب الهمم فوق سن 18، تقدم برامج تدريب مهني، وورشاً فنية، وخدمات دعم نفسي واجتماعي، بالإضافة إلى فرص عمل مدعومة، مثمنة جهود الدولة في دعم هذه الفئة وإطلاق المبادرات النوعية، مثل «برنامج تمكين» و«مشاغل أصحاب الهمم».
أما جاسم الشامسي، وهو من أصحاب الهمم، فقال إن وجود مكان آمن يشعره بالاستقرار والقبول، حيث يمكنه أن يتدرب ويعيش ويشعر بالانتماء، سيغير من نفسيته.
وأضاف أنه يأمل بوجود مركز، يسمح له أن يتعلم مهنة بسيطة، ويعيش حياة كريمة دون أن يشعر بأنه عبء على أسرته.
اجتهادات ذاتية
من ناحيتها شددت الدكتورة إيمان جاد، عميدة كلية التربية وأستاذة التربية الخاصة والشاملة بالجامعة البريطانية في دبي، على أهمية توفير الرعاية لفئة أصحاب الهمم من المهد إلى اللحد، مشيرة إلى أن الرعاية التي تقدم لهم حالياً تكون في الفترة ما بين سن المدرسة وحتى سن 18 عاماً، أما ما بعد هذا السن فتندرج ضمن إطار الاجتهادات الذاتية فقط من ذويهم لتسكين أبنائهم من ذوي الإعاقة من البالغين.
ونوهت بأهمية تكاتف الجهود ودعمها من قبل الجهات المعنية وذات العلاقة، لتوفير مراكز متخصصة لهؤلاء لضمان تقديم الرعاية.
وأشارت إلى أن اقتصار تقديم الخدمة حتى سن 18 فقط لأصحاب الهمم قد يؤدي إلى خلل في استمرارية الاستقلالية في بيئة آمنة، والتي تعتبر الهدف الأسمى من التمكين، مشيرة إلى أنها ضد العزل وإنما يجب توفير حلول تساعدهم على الاستقلالية لا سيما في حال كان الأهل غير قادرين على رعايتهم.
خدمات متنوعة
في الأثناء، أكدت هيئة تنمية المجتمع في دبي أنها توفر مجموعة من الخدمات المتنوعة، تشمل بطاقات سند، الدعم المالي، خدمات التدخل المبكر، برامج التوعية للأسر، والدعم النفسي، بالإضافة إلى جلسات علاجية للأطفال.
كما أشارت الهيئة إلى وجود 50 مركزاً متخصصاً لتقديم الخدمات التأهيلية، منها 48 لفئة التوحد، إلا أن أغلبها تعمل وفق نظام النهار فقط، دون تقديم خدمات إقامة دائمة أو برامج متقدمة للبالغين.
وأكدت الهيئة أنها تعمل على توسيع نطاق الشراكات المجتمعية لتمكين هذه الفئة من الاندماج، والاستفادة من فرص العمل والتدريب، لكنها لم تحدد موعداً لإطلاق مراكز مخصصة للإقامة الطويلة أو برامج متكاملة ما بعد سن الـ 18.
تحدٍ ويبقى غياب مراكز إقامة دائمة للبالغين من أصحاب الهمم تحدٍ في منظومة الرعاية، فبدون هذه المراكز تنهار سنوات من التأهيل، وتفقد الأسر الشعور بالأمان، فيما لا يكمن الحل وفقاً لأصحاب الشأن في توفير مبانٍ فقط بل في تأسيس نموذج رعاية، يرافق أصحاب الهمم في رحلتهم الحياتية كاملة، من الطفولة إلى الشيخوخة، ويمنحهم الأمان والاستقرار، وحقهم في العيش بكرامة.