ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 31 أغسطس 2025 11:46 مساءً - شدد أطباء وتربويون على أهمية وجبة الفطور الصباحية عند تجهيز الحقيبة للطالب، والتي تُعد وقود العقل في بداية اليوم، ففي ظل امتداد الساعات حتى موعد الاستراحة الأولى عند الساعة 9:45 صباحاً، يصبح الفطور المنزلي أساسياً لحماية الطالب من فجوة غذائية طويلة قد تؤثر في استيعابه وتحصيله، ولهذا تحرص إدارات المدارس على حث أولياء الأمور على تقديم وجبة صحية متوازنة لأبنائهم قبل مغادرتهم إلى الصفوف.
وقالت الاختصاصية النفسية أمل الحمادي، إن غياب الفطور يترك آثاراً سلبية متداخلة لا يمكن الاستهانة بها، وأول ما يظهر على الطالب الذي يذهب إلى المدرسة دون تناول وجبته الصباحية هو ضعف التركيز والشرود الذهني، إذ يجد صعوبة في متابعة الشرح وتثبيت المعلومات بسبب نقص الطاقة.
ومع ذلك، لا يتوقف الأمر عند حدود الاستيعاب، بل يتجاوزها إلى الجانب السلوكي، إذ يصبح الطالب أكثر عرضة للعصبية والانفعال نتيجة تقلبات المزاج التي يسببها الجوع.
وتابعت الحمادي أن غياب الفطور ينعكس كذلك على نشاط الطالب الجسدي، حيث يعاني الخمول وفقدان الطاقة، فلا يشارك بحماس في الأنشطة الصفية والحركية.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن بعض الطلبة قد يشعرون بالحرج لعدم امتلاكهم وجبة مثل زملائهم، ما يدفعهم إلى الانسحاب من التفاعل الاجتماعي، وهو ما ينعكس سلباً على ثقتهم بأنفسهم.
وأكدت أن هذه التأثيرات مجتمعة تؤدي في النهاية إلى تراجع ملموس في التحصيل الأكاديمي، خاصة خلال الحصص الأولى التي يفترض أن تكون ذروة تركيز الطالب.
نقطة أساسية
من جهتها، أوضحت الدكتورة وفاء عايش، اختصاصية التغذية العلاجية، أن وجبة الفطور تمثل نقطة الانطلاق الأساسية لعقل الطالب وجسمه، وأن تأثيراتها الإيجابية تتوزع على خمسة محاور مترابطة.
وأول هذه التأثيرات هو زيادة التركيز والانتباه، حيث يمد الفطور الدماغ بالجلوكوز اللازم ليستعيد نشاطه بعد النوم، ما يجعل الطالب أكثر يقظة خلال الحصص الأولى، كما أن الفطور يسهم في تحسين الذاكرة والتحصيل الأكاديمي، إذ يساعد على تثبيت المعلومات واسترجاعها بسهولة، وهو ما ينعكس مباشرة في نتائج الاختبارات اليومية.
وأضافت عايش أن الفطور يمنح الطلبة استقراراً سلوكياً ومزاجياً، إذ يقلل من فرص الانفعال والعصبية، ويعزز القدرة على التفاعل مع الزملاء والمعلمين.
وأكدت أن الجانب الجسدي لا يقل أهمية، فالفطور الصحي يسهم في تقوية المناعة ودعم النمو البدني من خلال توفير الفيتامينات والمعادن والبروتينات الضرورية لبناء العظام والعضلات.
وأشارت كذلك إلى أن هذه الوجبة تعزز لدى الطفل عادة غذائية طويلة المدى، بحيث يظل متمسكاً بها كجزء من نمط حياة صحي ومتوازن.
أثر واضح
من جانبه، أوضح التربوي محمد السيد أن الفطور المنزلي يظهر أثره بشكل واضح على أداء الطلبة داخل الفصل.
فالطالب الذي يأتي وقد تناول وجبته الصباحية يكون أكثر نشاطاً وقدرة على التفاعل مع المعلم والمشاركة في الحوارات الصفية، بينما الطالب الذي يذهب إلى المدرسة من دون فطور غالباً ما يبدو أقل حيوية ويميل إلى الشرود أو التعب السريع.
وأضاف أن المعلمين يلاحظون هذه الفروق منذ الحصة الأولى، حيث يتجاوب الطلبة الذين تناولوا وجبة متكاملة مع الأنشطة التعليمية، في حين يتراجع تجاوب الطلبة الذين يفتقدون الطاقة اللازمة.
وأكد أن هذه الفوارق تعكس أهمية التعاون بين البيت والمدرسة في توعية الأسر بأهمية الفطور، مشيراً إلى أن تعزيز الوعي الصحي لدى الطلبة ينعكس بشكل مباشر على التحصيل الأكاديمي والانضباط السلوكي في الصفوف.
بدورها، قالت التربوية ليلى أحمد: إن الأسرة قادرة على تحويل الفطور إلى طقس يومي يعزز الروابط الأسرية، فالجلوس حول مائدة الفطور، ولو لدقائق قليلة، يمنح الطفل شعوراً بالاستقرار والطمأنينة قبل مغادرته المنزل.
وتشير إلى أن هذا الطقس يعكس نفسه في المدرسة، حيث يظهر الطالب أكثر استعداداً للتفاعل، وأكثر قدرة على استثمار طاقته الذهنية في التعلم بدلاً من التفكير في الجوع.
ودعت أحمد أولياء الأمور إلى جعل الفطور عادة أساسية لا يمكن التنازل عنها، مشددة على أن بضع دقائق صباحية تمنح الطفل يوماً كاملاً من التركيز والحيوية.
ومع بداية عام دراسي جديد، فإن تعزيز ثقافة الفطور يمثل خطوة بسيطة بمردود كبير، ينعكس على التحصيل والسلوك ويضمن بيئة مدرسية أكثر استقراراً ونشاطاً.
كما أكد المرشد الأكاديمي في مدرسة المعارف الأمريكية مروان حامد، أن المدارس تتحمل دوراً محورياً في نشر ثقافة الفطور بين الطلبة وأولياء الأمور، موضحاً أن كثيراً من الأسر تنشغل بتجهيز الزي المدرسي والحقائب ووجبات المدرسة، وتغفل عن تجهيز وجبة بسيطة للطفل قبل خروجه، وهو ما يستدعي تكثيف التوعية.
وأضاف أن تجارب تعليمية عالمية تشير إلى أهمية الفطور في ضمان يوم دراسي منتج، ففي فنلندا مثلاً، تُقدّم المدارس وجبة فطور مجانية للطلبة قبل بداية اليوم الدراسي، لضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية.
وفي اليابان، يتشارك الطلبة في تناول وجبة صباحية جماعية تعزز قيم الانضباط والاندماج الاجتماعي، وتكسر حاجز الجوع المبكر.
وتظهر هذه التجارب أن الاستثمار في الفطور لا يقتصر على الصحة، بل يمتد ليصبح أداة للتربية على القيم وتنظيم الوقت.