ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 5 نوفمبر 2025 01:21 مساءً - تشن جهات مغرضة حملة إعلامية تضليلية ضد الإمارات بمزاعم واهية عن مطامع إماراتية في ذهب السودان، ويتم نسج مسارات نقل من نسج خيال من يديرون هذه الحملة ضد الإمارات التي رسمت نهضة استثنائية يشهد لها العالم، فهي الدولة التي حققت نهضة شاملة، على رأسها التنموية والاقتصادية، بمسارات شرعية وشفافة، وتحت أعين وأنظار العالم.
لكن بينما كانت الإمارات تتقدم، وتحقق المراكز الأولى في مؤشرات التنمية والحوكمة والثروة، على مستوى العالم، فإن البعض كان غافلاً وغارقاً في قضاياه المعزولة والانعزالية، لذلك بات الآلة الدعائية السوداء تنسج قصصاً مزيّفة، مثل أن الإمارات تطمع في ذهب السودان، وهذه مزاعم تدحضها الحقائق التي تقرها أكثر المؤسسات الإعلامية والبحثية حيادية في العالم.
الحديث عن ذهب السودان يتجاهل حقيقة أن الإمارات مركز عالمي لتجارة الذهب وإعادة تصديره، تتدفّق إليه شحنات من عشرات الدول، ثم يُعاد تكريرها وتسويقها وفق أطر تنظيمية صارمة. أما ذهب السودان فهو يصل إلى الإمارات عبر قنواتٍ نظامية موثّقة في قواعد بيانات التجارة الدولية.
وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 4 نوفمبر الجاري، يمثل الذهب حوالي 49% من صادرات السودان، ونقلت الصحيفة عن بيانات أصدرتها الشركة السودانية للموارد المعدنية، المملوكة للدولة السودانية، في فبراير الماضي، حيث سجل إنتاج الذهب في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة السودانية 74 طناً في 2024، مقارنة بـ 41.8 طناً في 2022. وهذا يعني أنه بمتوسط أسعار الذهب لعام 2024 فإن قيمة إنتاج الذهب السوداني الذي ذهب لخزينة القوات المسلحة السودانية يبلغ نحو 5 مليارات دولار.
رغم ذلك، أعلن البنك المركزي السوداني أن نحو 97% من الصادرات الرسمية للذهب (من مناطق سيطرة الجيش) ذهبت إلى الإمارات في 2024، محققةً 1.52 مليار دولار، ما يعني أن هناك ما يزيد عن 3 مليارات ونصف المليار دولار تذهب إلى قنوات تصدير أخرى لم يعلن عنها الجيش السوداني أو المؤسسات التي تتبعها.
لماذا الإمارات في قلب تجارة الذهب العالمية؟
رسّخت دبي مكانتها كأحد أكبر مراكز التداول المادي للذهب، فقفزت الإمارات إلى مكانة بارزة في تجارة الذهب العالمية بحجم تبادل مادي وتصديري يتجاوز مئات المليارات من الدولارات.
وفق تحليل لمراكز تداول الذهب العالمي، يمر حوالي 13-15% من إجمالي الذهب المتداوَل عالمياً عبر دبي سنويا، مما يجعل الإمارات من أكبر مراكز تجارة الذهب العالميّة.
تعكس هذه المكانة بنية «المركز اللوجستي والمالي» لا «الملكية» على الذهب الوارد. ووفق تقرير مركز دبي للسلع المتعددة لعام 2024، فإن الإمارات تواصل ترسيخ مكانتها لتصبح واحدا من أبرز مراكز تجارة الذهب عالميا في السنوات المقبلة مدعومة بتفوقها على المملكة المتحدة خلال العام 2023 بعدما أصبحت ثاني أكبر مركز لتجارة الذهب في العالم بقيمة تجاوزت 129 مليار دولار بزيادة قدرها 36% على أساس سنوي.
وفق بيانات التجارة الدولية (UN Comtrade وOEC)، الجزء الأكبر من الصادرات يأتي من إعادة تصدير الذهب المستورد بعد معالجته أو إعادة شحنه. وهذا هو جوهر مفهوم «إعادة التصدير» الذي تقوم عليه التجارة الإماراتية، حيث تدخل السلع من الخارج وتُعاد تصديرها.
تُظهر بيانات التجارة أنّ الذهب غير النقدي يشكّل أحد أهم بنود الصادرات الإماراتية بالقيمة، ما يفسّر طبيعة «المحور التجاري» القائم على الاستيراد والتكرير وإعادة التصدير إلى أسواق الاستهلاك في آسيا وأوروبا وأفريقيا. تؤكد أوراق مختصة أنّ الإمارات ثاني أكبر مركز لتجارة الذهب بعد سويسرا، وأن شبكات الربط والشحن تجعل من دبي عقدةً بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك، أي «محطة عبور» أكثر من كونها «وجهة نهائية».
«إعادة التصدير»
تعتمد التجارة الإماراتية للذهب على نموذج «إعادة التصدير»: يدخل الذهب الخام أو النصف مصنّع من دولٍ عدّة إلى مصافي ومناطق تجارة داخل الدولة، ثم يُعاد تصديره بعد التكرير والتسويق. تُظهر قواعد بيانات التجارة الدولية تنوّع الشركاء والوجهات سنةً بعد أخرى. هذا النمط التجاري يشرح ضخامة الأرقام بدون أن يعني ملكية الإمارات لذهب الدول المصدّرة.
الأطر التنظيمية والامتثال
لوائح العناية الواجبة لمصادر الذهب صدرت في الإمارات، وتُلزم المكرّرين بتطبيق سلاسل تدقيق للمصدر وفق إطار لتجارة المعادن في الدول المتأثرة بالنزاعات. في مارس 2024 صدر قرارٌ وزاري لتعزيز التزام المصافي بسياسات العناية الواجبة لمصادر الذهب وتعزيز الرقابة. أُطلق أيضاً معيار الإمارات للتسليم الجيّد «UAE Good Delivery» ونشاط لجنة سبائك الإمارات لتوحيد المعايير الوطنية والمواءمة مع أفضل الممارسات الدولية في التكرير والتوريد المسؤول. على صعيد السمعة المالية، أزالت المؤسسات الدولية الإمارات من «القائمة الرمادية» بعد حزمة إصلاحات وتشديد رقابي، وهو تطوّر مرتبط مباشرة بملفات المعادن الثمينة والتحويلات.
تُظهر قواعد بيانات التجارة الدولية أنّ الإمارات كانت الوجهة الأولى رسميًا لصادرات الذهب السودانية؛ ففي عام 2023 صدّر السودان ذهباً للإمارات بنحو مليار دولار تقريباً عبر القنوات الجمركية، وهو رقم ذكره معهد تشاثام هاوس في تقديراته للذهب الذي يصدره السودان للإمارات، كما أقر البنك المركزي السوداني أيضاً بصحة هذه الأرقام. الإجراءات السودانية تشترط موافقات من البنك المركزي والشهادات والموافقات الجمركية لتصدير الذهب المعالَج، ما يعني وجود مسارات قانونية معلومة حين تتوافر ظروف الدولة.
الإمارات لا «تنهب» ذهب السودان ولا غيره؛ إنها مركزٌ عالمي للتجارة وإعادة التصدير يتلقّى الذهب من مصادر متعدّدة، ثم يعيد إدخاله إلى السلسلة العالمية بعد التكرير والامتثال. الأرقام الرسمية تُظهر صادرات سودانية نظامية إلى الإمارات، والأطر التنظيمية الإماراتية تشدّد تباعاً على التوريد المسؤول ومكافحة غسل الأموال وتمويل النزاعات. الخلط بين الدور المحوري في التجارة العالمية وبين الملكية لا تدعمه قواعد البيانات أو التشريعات السارية.
