ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 5 نوفمبر 2025 06:21 مساءً - أكدت معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، خلال الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات 2025، أنه في عالم سريع التغير، تمر بنا لحظات تجعلنا نتوقف لنتأمل الإنسانية بعين التدبر والتفكير، ونتساءل: كيف يمكن أن نحول الألم إلى أمل، والمعاناة إلى فرصة؟ وكيف يصبح الإنسان شريكاً في حل الأزمة، لا مجرد متلقٍ للمساعدة؟، وضمن هذا المشهد، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة نهجاً ثابتاً في سياستها الخارجية يقوم على الشراكة والتعاون والتضامن الإنساني. إدراكاً منها بأن الاستقرار والسلام والتنمية هي عمل مشترك ومسؤولية جماعية. هذا النهج متجذر في رؤية الوالد المؤسس، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي آمن بأن الخير ليس ما يُملك، بل ما يُبذَل، وأن كرامة الإنسان لا تتجزأ، وأن العون مسؤولية تتجاوز الحدود.
وعلى نهج الوالد المؤسس، وفي امتداد لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جاء تأسيس مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، برئاسة سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان. وعلى أرض دولة الإمارات الطيبة، أُنشئت وكالة الإمارات للمساعدات الدولية وصندوق أبوظبي للتنمية، وأكثر من 40 جهة مانحة ومؤسسة خيرية في الدولة. كلها تعمل بروح الوحدة، وبوصلة واحدة وجهتها الإنسان، أينما كان.
وأضاف معالي ريم الهاشمي: "منذ تأسيسها والخطوات الأولى لنهجها الإنساني العالمي، لم تتوانَ دولة الإمارات في مد يد العون لكل محتاج، حيث قدمت أكثر من 370 مليار درهم في المساعدات الدولية، لتصل إلى أكثر من مليار إنسان حول العالم. هذه ليست مجرد أرقام، بل قصص حياة وإرادة وعطاء. ولم تقتصر المساعدات على الإغاثة الفورية أو على إعادة الإعمار فحسب، بل امتدت لتشمل الصحة والتعليم والطاقة وتمكين المرأة والشباب، وتحسين نوعية الحياة في المجتمعات الأكثر احتياجاً، مؤكدة أن كل دعم يحمل بصمة أمل وفرصة لتغيير مستقبل الإنسان نحو غد أفضل".
وأضافت معالي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي: "في غزة، حيث يصلنا صدى صوت الأطفال الذين فقدوا بيوتهم، ووجوه الأسر التي تبحث عن مأوى، تتجلى الإنسانية الإماراتية بأوضح صورها. قدمت دولة الإمارات للشعب الفلسطيني الشقيق كل ما يمنح الأمل والنجاة لمن أرهقتهم الحرب. وأطلقت الدولة عملية "الفارس الشهم 3"، وقدمت أكثر من 9.4 مليارات درهم من المساعدات، وأرسلت أكثر من 100 طن من الإمدادات ومليوني غالون من المياه، وأجلت ما يقارب 3000 مريض ومرافق للعلاج في الدولة. وأرسلت الإمارات الأمل في أصعب اللحظات. هذه قصص حقيقية عن أطفال وكبار سن ونساء، نُجِّيت حياتهم بفضل هذه الجهود. هنا تتجسد إنسانية الإمارات التي لا تعرف الحدود، وتبرز أهمية أن كل جهد إغاثي قد يكون طوق نجاة يغير مسار حياة نحو فجر جديد".
ومن بين الدمار، تتجسد قصص إنسانية تختصر معنى الأمل. أطفال مصابون بالسرطان خرجوا من بين الركام إلى رعاية تمنحهم حياة وشراكة جديدة. طفلة في الرابعة وصلت وهي تئن تحت مظلة الخوف والتعب، لا ترى من العالم سوى الألم، وفي أسابيع قليلة، بدأت تستعيد ضحكتها، وتتعلم وتستمتع بنسيم طفولتها من جديد. لم يكن ذلك علاجاً فقط، بل هو فجر واعد انبعث من وسط الألم، وثقة بأن الإنسانية لا تزال قادرة على الانتصار.
وتابعت: "يقف الإنسان أمام مشهد يتحدى الضمير العالمي في السودان، حيث يعيش شعب كريم مرحلة قاسية. وقد خصصت دولة الإمارات ما يقارب 3 مليارات درهم خلال العامين الماضيين، وستواصل الوقوف إلى جانب السودان وشعبه، ومع دول الجوار التي تستقبل اللاجئين، وذلك بالشراكة مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. هذا ليس موقفاً سياسياً، بل هو امتداد لعلاقة تاريخية وروابط أخوية ومصير مشترك".
اليمن وأوكرانيا
وأضافت معالي ريم الهاشمي: "في اليمن، كانت قصص الأمل جزءاً من رسالتنا الإنسانية. قدمت دولة الإمارات 26 مليار درهم لدعم الاستقرار وإعادة الإعمار وتحسين الخدمات. وفي أوكرانيا، حيث يخترق الشتاء قلوباً محطمة تنتظر أحبة غابوا خلف القضبان، قامت دولة الإمارات بدور وساطة فعالة، أسهمت في تبادل أكثر من 4600 أسير حرب، متدنية على النزاع، ليعود الأبناء إلى أحضان أمهاتهم. هنا تتعالى قيمة الإنسانية، ويُسمع صوتها حتى وسط ضجيج الصراعات. ولم يقتصر الدعم الإماراتي على التوسط في إطلاق الأسرى فحسب، بل عملت الدولة على تقديم أكثر من ألف طن من المساعدات عبر 14 رحلة جوية، إلى جانب تخصيص 385 مليون درهم لدعم الشعب الأوكراني.
وفيما يخص أفغانستان ، دعمت الإمارات هذا الشعب الشقيق بـ 7.3 مليار درهم العام الماضي. ولم يكن الحضور الإماراتي هناك دون ثمن؛ فقد استشهد أبناء دولة الإمارات في العمل الإنساني في يناير 2017، وهم يحملون الدواء والأمل. لقد تركوا وراءهم صفحات مضيئة من العطاء الإنساني والكرم والتفاني.
في آخر سنة ونصف فقط، قامت الإمارات بتأسيس 10 عيادات للأمومة في ولايات مختلفة بأفغانستان. وفي واحدة منها، ولدت طفلة سمّاها أهلها "فاطمة" تيمناً باسم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، "أم الإمارات" رئيسة الاتحاد النسائي العام. تلك اللحظة لم تكن مجرد ولادة، بل بداية مشرقة في إطار واقع ينتظر انطلاقة جديدة.
ولحماية جيل كامل من الإصابة بشلل الأطفال في باكستان، قدمت دولة الإمارات أكثر من 700 مليون جرعة تطعيم ضد المرض، إيماناً بأن أصغر خطوة للطفل نحو المستقبل قد تحمل أعظم المعاني.
وتابعت معالي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي: "قد يصعب على الكثيرين تصور حجم المعاناة التي تمر بها بعض الشعوب، أو إدراك مدى قسوة اللحظات التي تُهدد فيها الكرامة الإنسانية. لكننا جميعاً عشنا مثالاً حياً على ذلك، حين اجتاحت جائحة كوفيد-19 العالم. في تلك اللحظة الحرجة، لم تتردد دولة الإمارات، بل فتحت ممرات طيرانها ومستودعاتها وقلوبها. لم تكن مجرد دولة تقدم المساعدة، بل أصبحت مركزاً عالمياً للمنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، لإيصال الإمدادات الطبية إلى الدول المحتاجة، بعيدة كانت أو قريبة. لأن القيم لا تتعطل حتى في أصعب الظروف، بل تتجلى في ذروة الأزمات، وتثبت أن الإنسانية لا تعرف حدوداً"، إن جود دولة الإمارات في ساحات الإغاثة لم يكن استثناءً، بل قاعدة ثابتة تنبع من قناعة راسخة. من الجزر الصغيرة إلى القرى النائية والمخيمات، كانت بصمة الإمارات حاضرة، حيث يسمع صوت أنين الإنسان أينما كان، وحيث تكون الحياة ممكنة مهما ثقلت التحديات. وترسخ الإمارات هذا النهج عالمياً عبر استضافة أكثر من 80 منظمة دولية في مدينة دبي الإنسانية، وتفعيل منصات الاستجابة في أبوظبي، والعمل مع الأمم المتحدة ووكالاتها ومؤسساتها العالمية، وتعزيز حلول التمويل المناخي العادل، وتوظيف التكنولوجيا لضمان وصول المساعدات بكفاءة وفعالية. واختتمت معاليها: "قد لا يُغير فرد صغير العالم بالكامل، لكننا قادرون على أن نُحول كل تحدٍ إلى فرصة جديدة. ونحتاج لإحداث فرق حقيقي بين المستقبل؛ فالإغاثة تنقذ حياة، والتنمية تبني غداً مشرقاً، وستبقى دولة الإمارات، كما عهدتموها، جسر الإنسانية، وصوتاً للأمل، ورائدة تهدي العالم نحو دروب الخير والعطاء المستدام".
