ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 16 نوفمبر 2025 12:06 صباحاً - حين تعلن دولة الإمارات موقفها الواضح من تطورات الأزمة السودانية، فهي تؤكد المؤكَّد، مستندة إلى رؤية ثابتة من هذه الأزمة، وهي تعتبر حماية المدنيين الركيزة الأولى لأي جهد سياسي أو إنساني.
وفي هذا السياق، أدانت الإمارات الهجمات المشينة التي استهدفت المدنيين في مدينة الفاشر وسائر مناطق النزاع في السودان، وأكدت أن ما يجري يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وكررت دعوتها مراراً للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى الالتزام الكامل بحماية المدنيين والعاملين الإنسانيين، وتوفير الممرات الآمنة للمساعدات.
وتؤكد الإمارات، في رؤيتها، ضرورة مساءلة المتورطين في الفظائع، باعتبار المحاسبة جزءاً من مسار حماية المدنيين ومنع تكرار الانتهاكات، حيث تنظر بقلق بالغ إلى التداعيات الإنسانية الكارثية للنزاع، بدءاً من القصف العشوائي مروراً بالإعدامات والعنف الجنسي، وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية وعرقلة وصول المساعدات، باعتبار أن هذه العرقلة تستخدم سلاحاً لإخضاع المجتمعات. وتعتبر أن جميع الأطراف المتحاربة مدانة بترويع المدنيين واعتداءاتهم على القوانين الدولية، بما يتطلب موقفاً دولياً موحداً يفرض الالتزام بالقانون ويمنع المزيد من الانحدار الإنساني.
لقد ظل العطاء الإنساني بوصلة لتوجه الإمارات في التعامل مع هذه الأزمة، حيث واصلت تقديم مساعداتها للشعب السوداني، التي بلغت نحو 784 مليون دولار منذ عام 2023، بما في ذلك 200 مليون تعهدت بها في مؤتمر أديس أبابا في فبراير 2025، بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي والإيغاد وإثيوبيا، مع التأكيد أن هذه الجهود تشكّل امتداداً لرؤية إماراتية ثابتة تضع الإنسان أولاً، وتؤكد مراراً أهمية التعاون الدولي لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وترتكز رؤية الإمارات على أن الأولوية العاجلة تتمثل في وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإيصال المساعدات إلى المناطق الأكثر تضرراً، بالتوازي مع الضغط الدولي لدفع الأطراف نحو حوار سياسي شامل.
وتنطلق الإمارات من قناعة راسخة وواضحة بأنه لا حل عسكرياً للحرب الأهلية في السودان، وأن الأطراف المتحاربة لم تُظهر ما يشير إلى وضع مصالح الشعب على رأس أولوياتها، لذلك فإنها تشدد دائماً على عملية انتقالية مدنية مستقلة، بعيدة عن سلطة الجنرالات، وبمنأى عن الحسابات العسكرية، باعتبارها الطريق الوحيد نحو استقرار دائم.
وفي هذا الإطار، أعطت الإمارات أهمية خاصة لبيان الرباعية الصادر في 12 سبتمبر 2025، الذي شاركت فيه الولايات المتحدة والسعودية ومصر، حيث تعتبر أنه يمثل قاعدة صلبة لخريطة طريق نحو السلام، كما أنه يشكل محطة مفصلية يمكن البناء عليها لخفض مستوى العنف، وتعزيز الجهود الإنسانية، ودفع العملية السياسية نحو حل يركز على الإنسان السوداني قبل أي اعتبارات أخرى.
تسمية المعرقلين
وتدعو الإمارات المجتمع الدولي إلى تسمية الجهات التي تعرقل المساعدات أو ترفض مبادرات السلام، وفرض محاسبة واضحة على الأطراف التي تتسبب في تمديد المعاناة. وترى أن تسمية المعرقلين خطوة أساسية لتعزيز الجهود الإنسانية، ولضمان عدم استغلال المساعدات في الصراع السياسي أو تحويلها إلى أدوات ضغط على المدنيين.
وتعبّر الإمارات عن قلق شديد من انتشار التطرف والإرهاب والكراهية في السودان، إذ إن ذلك يمثل تهديداً للمنطقة، لذا فإنها تشدد على ضرورة تعاون الشركاء الدوليين لمكافحة الإرهاب ومحاصرة منابعه. ويعكس هذا الموقف دور الإمارات الإقليمي في مواجهة التطرف.
وترى الدولة أن مستقبل السودان لا يمكن أن يكون رهينة للأطراف المسلحة التي أثبتت عجزها عن حماية المدنيين، واستمرارها في ممارسة العنف والتنكيل ونشر الكراهية. وتؤكد أن السلام الدائم يتطلب انتقالاً مدنياً مستقلاً بعيداً عن سيطرة أي فصيل عسكري.
وترى الإمارات أن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع يمثلان امتداداً لمدرسة واحدة قائمة على العنف، حيث إن قوات «الدعم السريع» فرع متأصل من مدرسة الجيش السوداني، الذي شرّعها وحاول جعلها أداه لقمع الشعب السوداني، في حين أن القوات المسلحة متجذرة بأدبيات الجماعات الإسلامية المتطرفة. وترى الإمارات أن الطرفين وجهان لعملة واحدة، هي الإرهاب، ما يستوجب استبعادهما من العملية السياسية لصالح حكومة مدنية تعبّر عن الشعب وحده.
