حال الإمارات

التطوع الرقمي.. آفاق جديدة تعيد تشكيل دور الطلبة والشباب في خدمة المجتمع

التطوع الرقمي.. آفاق جديدة تعيد تشكيل دور الطلبة والشباب في خدمة المجتمع

ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 13 ديسمبر 2025 11:51 مساءً - دبي - رحاب حلاوة، مريم العدان

في وقت تتسارع فيه التحولات الرقمية في مختلف جوانب الحياة، بات العمل التطوعي يأخذ شكلاً جديداً يتجاوز حدود الميدان التقليدي، ليصل إلى الفضاء الافتراضي حيث يجد الطلبة في مساحة واسعة للعطاء من منازلهم، وتقديم مبادرات باستخدام شبكة الإنترنت تسهم في دعم المجتمع وتعزيز هويتهم الرقمية.

ولم يعد التطوع الرقمي مجرد نشاط إضافي، بل أصبح مساراً تربوياً متكاملاً يهدف إلى بناء شخصية متوازنة، وتنمية مهارات المستقبل، وترسيخ قيم المواطنة الرقمية لدى الطلبة، وفق رؤية تعليمية تواكب التطورات العالمية.

منصة عملية

ويؤكد تربويون واختصاصيون أن التطوع الافتراضي بات منصة عملية تسهم في تمكين الشباب من المشاركة المجتمعية بطريقة مرنة، وتوفر لهم فرصاً لابتكار مبادرات رقمية تعكس وعيهم، وتنمي قدراتهم التنظيمية والإبداعية. ويجمع الخبراء على أن هذه التجربة تمنح الطلبة وتكسبهم ما يقارب 15 مهارة أساسية يحتاجونها لمستقبل يعتمد على التقنيات الحديثة، وتشمل مهارات التواصل الرقمي الفعال، وإدارة الوقت، والقيادة الافتراضية، وإنتاج المحتوى، والعمل الجماعي، والتفكير النقدي، واستخدام التطبيقات الرقمية، والبحث الإلكتروني العميق، والابتكار في حل المشكلات، إلى جانب مهارات التقديم الافتراضي، والتقييم الذاتي، وبناء الهوية الرقمية، وتعزيز الثقة بالنفس، والقدرة على المبادرة، وبناء العلاقات المهنية عبر الإنترنت.

وتؤكد التجارب التربوية أن اكتساب هذه المجموعة الكبيرة من المهارات يمنح الطالب شخصية أكثر توازناً ومرونة، ويجعله أكثر جاهزية للتعامل مع تحديات المستقبل.

مسار محوري

وفي هذا السياق، قال الدكتور خليل رحمة، الأمين العام لجمعية كشافة الإمارات، إن التطوع الافتراضي يعد واحداً من أبرز الهدايا التي منحتنا إياها جائحة كورونا، إذ فتحت هذه التجربة العالمية آفاقاً واسعة لاستثمار طاقات الشباب وأفراد المجتمع في أوقات تتناسب مع التزاماتهم اليومية دون التقيد بزمان أو مكان الفعالية. وأشار إلى أن هذه المرحلة أبرزت مهارات تكنولوجية مميزة يمتلكها الشباب، ما شجع الجمعية على اعتماد نهج التطوع الافتراضي بعد الجائحة، وتخصيص جانب من منظومة التطوع للمهام التي لا تتطلب الحضور الميداني.

كما أسهم هذا النهج في توسيع نطاق المشاركة التطوعية، وسهّل عملية جذب متطوعين من مختلف الأعمار ومن مختلف إمارات الدولة، بل مكّن أبناء الدولة الدارسين أو العاملين في الخارج من المساهمة الرقمية دون عوائق. وأكد الدكتور خليل أن هذا النموذج لبّى كذلك احتياجات قطاع كبير من الطلبة الذين يتطلب منهم نظامهم الدراسي استكمال ساعات تطوعية معتمدة، حيث أتاح لهم فرصاً مرنة تتناسب مع توقيتاتهم وظروفهم.

كفاءة عالية

وأكدت التربوية سهيلة أحمد، أهمية البرامج التربوية التي تدار عن بُعد بكفاءة عالية، مشيرة إلى أن نجاح هذه التجارب يعزز الثقة بقدرة التطوع الرقمي على تقديم قيمة مضافة للمجتمع. وقالت، إن التطوع الإلكتروني ينبغي أن يتحول إلى ركيزة أساسية في مؤسسات الدولة، خصوصاً في ظل التحول الرقمي الواسع الذي يشهده قطاع التعليم والعمل الشبابي، حيث يتيح هذا النوع من التطوع للشباب المشاركة في أي وقت ومن أي مكان، دون قيود الزمان والمكان.

فرص للاستكشاف

وأشار التربوي محمد فتحي إلى أن التطوع الرقمي يمكن أن يكون منصة للتواصل الثقافي، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح، خاصة في بيئة متعددة الجنسيات مثل الإمارات. وأوضح أن مشاركة الطلبة في مبادرات رقمية تضم زملاء من ثقافات مختلفة تساعدهم على بناء جسور من التفاهم، وتمنحهم فرصة لاكتشاف اختلافات إيجابية تثري تجربتهم، وتعمق شعورهم بالانتماء لمجتمع متنوع يحترم الجميع.

أنشطة هادفة

من جانبها أوضحت الاختصاصية الاجتماعية فاطمة الظنحاني أن التطوع الافتراضي يسهم أيضاً في تحسين الصحة النفسية للطلبة من خلال شغل وقت فراغهم بأنشطة هادفة تمنحهم شعوراً بالإنجاز. وأكدت أن الطالب الذي يشعر بأن لديه دوراً مؤثراً حتى لو كان عبر شاشة، تزداد ثقته بنفسه، ويتعزز لديه الإحساس بقيمته وقدرته على التأثير الإيجابي في الآخرين.

نجاح وظيفي

وذكرت المعلمة وفاء الشامسي أن المهارات التي يكتسبها الطلبة من التطوع الافتراضي تعد رصيداً أساسياً في بناء جيل قادر على التعامل مع عالم يتجه بالكامل نحو الرقمنة. فالطالب الذي يتعلم إدارة مشروع رقمي، أو إنتاج محتوى هادف، أو قيادة مجموعة عمل افتراضية، هو طالب يمتلك القدرة على النجاح في الجامعة وسوق العمل. كما أن اكتساب مهارات التفكير النقدي والبحث الإلكتروني المتقدم يسهم في تعزيز استقلالية الطالب، وقدرته على اتخاذ قرارات واعية تستند إلى معلومات دقيقة وموثوقة.

مبادرات ذاتية

قدمت معلمات وطالبات في مدارس مختلفة مجموعة مبادرات تربوية وتطوعية رقمية بهدف ترسيخ قيم التطوع، وتعزيز المهارات التقنية، ودعم المجتمع عبر أدوات الذكاء الاصطناعي. فقد أوضحت التربوية آلاء الحواري أن غرس قيمة التطوع منذ الصغر يساهم في بناء شخصية مسؤولة، مؤكدة أن التطوع الرقمي يوسع فرص تعلم الطلبة ويحول مشاركاتهم إلى خبرات تعليمية مؤثرة بإشراف الكادر التعليمي.

وقدمت المعلمة دعاء محمد محمود مبادرة «الرياضيات تخدم مجتمعي»، التي شاركت فيها 11 طالبة لإنتاج فيديوهات مبسطة للعمليات الحسابية ودعم أولياء الأمور، إلى جانب دروس تعتمد مبدأ «طالبة تساند طالبة»، وورش تدريبية حول أساليب دراسة الرياضيات. كما توسعت المبادرة لتشمل إعداد مجلة رقمية عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرياضيات وبرامج توعوية لأولياء أمور رياض الأطفال، مما عزز التعلم الذاتي ومهارات الشرح والإبداع.

وفي إطار مشروع «ابدأ بخطوة للتطوع المستدام»، نظمت المعلمة شيخة الزيودي مبادرة «ومضة AI للتطوع» بمشاركة أكثر من 170 طالبة، استخدمن الذكاء الاصطناعي لإنتاج فيديوهات تسلط الضوء على أهمية التطوع وإنجازات الإمارات، وتم نشر الأعمال عبر قناة مخصصة لعرض المبادرات الطلابية، بما يعزز ثقافة التطوع المستدام ويربط القيم الإنسانية بالابتكار الرقمي.

كما عرضت المعلمة ليلى أحمد جهود طالباتها في خمسة مجالات تطوعية رقمية: الصحي، الاجتماعي، البيئي، التراثي، والثقافي والتعليمي، من خلال إنتاج فيديوهات تعليمية تفاعلية، ودعم أصحاب الهمم عبر تسجيلات تدريبية، وتنفيذ مبادرات مثل القراءة الرقمية للأطفال عبر Google Meet، وحملات توعوية في المناسبات العالمية. إضافة إلى ذلك، صممت الطالبات ألعاباً تعليمية وأوراق عمل، وقدمن محتوى بلغة الإشارة، وشاركن في مبادرات لتعزيز القراءة والاستدامة مثل «قارئ النهضة الرقمي» و«راسمون من أجل البيئة».

كما شملت الجهود مبادرات سلوكية مثل «لا للتنمر» و«صوتك يدعم أصحاب الهمم»، التي ركزت على تعديل السلوكيات السلبية ودعم الطلبة ذوي الاحتياجات عبر محتوى تدريبي مخصص. وقد نُفذت جميع هذه المبادرات بشكل افتراضي، مع التركيز على خدمة المجتمع وتعزيز مهارات الطالبات التقنية، وإبراز دور المدرسة في ربط التعليم بالقيم الإنسانية والعمل المجتمعي.

أهم المكاسب

أجمع الخبراء والمختصون أن بناء الهوية الرقمية الإيجابية هو أحد أهم المكاسب؛ إذ يتعلم الطالب كيف يعبّر عن نفسه بطريقة محترمة ومسؤولة، ويبتعد عن السلوكيات الضارة مثل التنمر الرقمي أو نشر المعلومات المضللة. وأشاروا إلى مجموعة من الأفكار التي يمكن للطلبة المشاركة فيها ضمن مسارات التطوع الرقمي، أبرزها تنظيم جلسات قراءة افتراضية للمسنين، وإنشاء ورش رقمية لتعليم مهارات جديدة، والمساهمة في ترجمة مواد تعليمية أو ثقافية، وإعداد فيديوهات توعوية قصيرة، ودعم مبادرات الصحة النفسية للطلاب عبر محتوى رقمي إيجابي، والمشاركة في أرشفة الأنشطة المدرسية رقمياً، وتصميم محتوى تفاعلي للطلبة الأصغر سناً، وكتابة تقارير رقمية للفعاليات المدرسية، وإنتاج قصص رقمية تعزز قيم التسامح والتعايش. وتنفذ جميع هذه المبادرات تحت إشراف تربوي مباشر لضمان جودة المحتوى وتحقيق الفائدة المرجوة.

Advertisements

قد تقرأ أيضا