ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 17 ديسمبر 2025 11:51 مساءً - في اليوم العالمي للغة العربية، جدد مسؤولون ومختصون تأكيدهم المكانة الحضارية والمعرفية للغة العربية، بوصفها ركيزة أساسية للهوية الثقافية، وجسراً للتواصل الإنساني، وأداة فاعلة في إنتاج المعرفة ومواكبة التحولات التقنية المعاصرة، مشددين على أن صون اللغة العربية مسؤولية وطنية ومؤسسية تتطلب سياسات مستدامة ومبادرات عملية لضمان استمرارها لغةً حية للحاضر والمستقبل.
وقال معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، «في اليوم العالمي للغة العربية، نحتفي بإرثٍ غني بالحكمة والجمال، لغة لم تقتصر على كونها وسيلة للتواصل، بل كانت محركاً للحضارة الإنسانية عبر العصور، وساهمت في نقل المعرفة، وتطوير العلوم والفلسفة، وبناء منظومة ثقافية أثرت العالم، كما لعبت دوراً محورياً في توثيق التاريخ، وتعزيز القيم الإنسانية، وإثراء الفكر الإنساني، وبناء جسور التبادل الثقافي بين الأمم».
وأضاف معاليه: «منذ تأسيس مكتبة محمد بن راشد، وضعنا في مقدمة أولوياتنا واستراتيجياتنا تمكين اللغة العربية، عبر الحفاظ على الأدب والثقافة والإرث العربي، وتعزيز حضور اللغة العربية في مختلف مجالات المعرفة والفنون، من خلال تشجيع الكُتّاب والأدباء والمبدعين على إثراء الإنتاج الفكري باللغة العربية وترجمته».
وتابع معاليه: «كما حرصنا على إطلاق عدة مبادرات ملهمة لتحقيق هذه الرؤية ومنها الذراع المؤسسية للنشر والترجمة من مختلف اللغات العالمية إلى العربية، ومبادرة «عالم بلغتك» التي تتيح للزوار قراءة وسماع الكتب بعدة لغات عالمية من بينها العربية، إلى جانب تنظيم جائزة محمد بن راشد للغة العربية، بما يدعم استدامة الإرث العربي ويضمن استمرارية دوره الحضاري والمعرفي في حاضر ومستقبل الأمة».
ركيزة حضارية
وأكدت هالة بدري، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي، أن اللغة العربية تعد إحدى ركائز الحضارة البشرية وحاضنة غنية للمعرفة والثقافة والفنون، مشيدة بجهود الدولة في حفظها وحمايتها، والنهوض بها في مختلف المجالات، وترسيخ مكانتها العالمية بوصفها جسراً للحوار البناء بين الثقافات.
وأوضحت أن «العربية» هي عماد الثقافة ولغة الإبداع والابتكار، ومرآة تعكس ثراء المخزون الثقافي والمعرفي، وأداة رئيسة للتعبير عن التراث الأصيل والهوية الوطنية.
وأضافت أن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية يعد مناسبة لتسليط الضوء على مرونتها وقدرتها على مواكبة التطورات التقنية والعلمية، وما تقدمه من إسهامات في مختلف العلوم والمعارف، مشيرة إلى أن «دبي للثقافة» تواصل، عبر مبادراتها وبرامجها المبتكرة، دعم وتمكين أصحاب المواهب المحلية في الأدب والترجمة والنشر، وفتح الآفاق أمام الشعراء والأدباء لتحفيزهم على إثراء المشهد الثقافي، مع التركيز على تطوير اللغة العربية وتعزيز حضورها في المجتمع وتشجيع ثقافة القراءة وتنمية مهارات التعبير لدى الأجيال القادمة.
وعاء حضاري
من جانبه، أكد جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتخاطب، بل وعاء للحضارة ومنارة للعلم، وقد أسهمت عبر قرون في بناء الفكر الإنساني ونقل العلوم والفنون بين الحضارات، مشيراً إلى أن الحفاظ على اللغة العربية اليوم يتطلب أكثر من الاحتفاء الرمزي، إذ يشمل التمكين المعرفي والتطوير التكنولوجي، وإدماجها في التعليم والإعلام والبحث العلمي ومجالات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن المؤسسة تفتخر بمبادراتها الداعمة للعربية، مثل برنامج «بالعربي» الذي يعزز حضور اللغة في الفضاء الرقمي، و«استراحة معرفة» لتكريس القراءة عادة يومية، إضافة إلى «برنامج دبي الدولي للكتابة» الذي يحتضن المواهب والمبدعين العرب ويعزز مكانة العربية في مسارات التقدم العلمي والمعرفي، مؤكداً أن هذه الجهود تسهم في ترسيخ العربية لغة للمعرفة والإبداع لكل جيل.
وأوضح بلال البدور، الأمين العام لجائزة محمد بن راشد للغة العربية، أن «الضاد» تمثل جوهر الهوية الثقافية وأحد أعمدة القوة الناعمة للدولة، مؤكداً أن الاحتفاء بيومها العالمي، يعكس مسؤولية جماعية لصونها وتطوير حضورها في ميادين المعرفة والعلوم والتقنية، وتعزيز مكانتها كلغة قادرة على مواكبة المستقبل وصناعة التحول.
وأضاف أن الجائزة، انطلاقاً من رؤية القيادة الحكيمة، تواصل دعم المبادرات النوعية وتمكين المبدعين وتحفيز الابتكار اللغوي، وترسيخ استخدام العربية في الفضاءات الرقمية والتعليمية والإعلامية، لتكون لغة حية واثقة وقادرة على المنافسة عالمياً.
وقال الدكتور عيسى الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، أن اعتماد العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة جاء تقديراً لدورها الثقافي والعلمي، مشيراً إلى أنها كانت ولا تزال وعاءً جامعاً للمعرفة، وأسهمت في نقل العلوم والفنون بين الحضارات، كما شكلت منصة للتعايش السلمي بين مختلف الديانات والثقافات.
ودعا إلى دعم اللغة عملياً من خلال تطوير تعليمها بما يواكب العصر، وتوظيفها في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، لضمان استدامتها لغة عصرية وفاعلة.
امتداد واسع
من جانبها، أكدت مهرة المطيوعي، مديرة المركز الإقليمي للتخطيط التربوي – اليونسكو، أن «العربية» يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص، ويتجاوز مستخدموها عالمياً 500 مليون،ما يمنحها امتداداً إنسانياً واسعاً، وحملها مسؤولية تعزيز حضورها في التعليم والاقتصاد والفضاء الرقمي، مشيرة إلى أن نسبة المحتوى العربي على الإنترنت لا تزال محدودة مقارنة بعدد المتحدثين بها، ما يمثل فرصة حقيقية للاستثمار في المحتوى العلمي والتقني المتخصص.
وفي الإطار التربوي، أكدت التربوية فاطمة الظاهري أن السياسات التعليمية الحديثة أسهمت في إعادة الاعتبار للغة العربية داخل الصفوف الدراسية، من خلال تطوير المناهج وربط تعليم اللغة بمهارات التفكير النقدي والتطبيق، مع التركيز على تمكين المعلم ودعم دوره في استخدام اللغة أداة للتعبير والبحث وصياغة الأفكار.
وشددت التربوية فوزية الشيخ على أن المبادرات الوطنية أسهمت في تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة تعليم وهوية، من خلال حضورها في الأنشطة المدرسية والمشروعات التعليمية والفعاليات الثقافية، مؤكدة أن التكامل بين المدرسة والأسرة والمجتمع يشكل عنصراً أساسياً في ترسيخ استخدام اللغة العربية في الحياة اليومية، وتعزيز دورها في مواكبة التطورات المعرفية والتقنية.
