ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 15 نوفمبر 2025 02:06 صباحاً - شاركت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، في جلسةٍ نقاشية رفيعة المستوى بعنوان: "الدبلوماسية الثقافية برؤية إماراتية:
جسور التواصل والحوار"، ضمت أيضاً معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة دولة، وأدارتها مينا العريبي، رئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشيونال"، خلال اليوم الختامي للمؤتمر العام السابع والعشرين للمجلس الدولي للمتاحف "آيكوم دبي 2025" الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، واستضافته دبي للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.
وركزت الجلسة على الهوية والدبلوماسية الثقافية والدور المتنامي للمتاحف واستشراف مستقبلها في مجتمعات سريعة التغيير، مُسلّطةً الضوء على دولة الإمارات وجهةً عالمية للحوار الثقافي، ونموذجاً متفرداً قائماً على الانفتاح والتعاون والتنمية الثقافية المرتكزة على الإنسان.
وأكدت الجلسة التزام دولة الإمارات بتوطيد روابطها الثقافية مع دول العالم، وترسيخ المشاركة المجتمعية، وتصميم مستقبل تكون فيه الثقافة جسراً للتواصل وتعزيز الفهم المتبادل.
واستهلّت مينا العريبي الجلسة بسؤال حول دور الدبلوماسية الثقافية في تعزيز التعاون على مستوى الدولة، حيث أشارت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم إلى أنّه قبل اتحاد الإمارات السبع.
كانت هناك مجتمعات تربطها الهوية والعادات والقيم، ويجمعها رصيد غني من التلاحم والإنسانية، وعندما اتّحدت لتشكّل وطنًا واحدًا، لم يكن ذلك اتحاداً سياسياً فحسب؛ بل كان اتحاداً ثقافياً قبل كل شيء، وإيماناً بأنّ المجتمع المتصل بجذوره الثقافية يجد في تراثه ما يوحده ويقويه، وتنبض في هويته طاقة التجدد وبناء المستقبل، وهو ما أشارت له سموّها في كلمتها الافتتاحية.
وقالت: "قوة الإمارات تكمن في وحدتها، فعندما تحقق دبي إنجازاً، فهذا نجاح لأبوظبي، والعكس صحيح... وهذه الروح الداعمة تمتد لتشمل جميع أنحاء الإمارات والمنطقة.
والزخم الثقافي الذي نشهده اليوم في المملكة العربية السعودية والنمو الملحوظ للمنظومات الإبداعية في الدول المجاورة يُشعرنا بالفخر. فكل إنجاز في منطقتنا يُحدث أثراً إيجابياً على الجميع، ويذكرنا بأن رحلتنا الثقافية مشتركة وأننا نرتقي عندما نتقدم معاً".
وأيّدت معالي نورة الكعبي ما طرحته سموّها، مُشيدةً بالحراك الثقافي في الدولة ومُسلّطةً الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه المبدعون في هذا الحراك، وقالت:
"المبدعون لا يعترفون بالحدود داخل الوطن الواحد. فهم يتنقلون ويستكشفون ويستلهمون ويُلهمون ويستفيدون من منظومة المؤسسات الغنية الداعمة لأبحاثهم وممارساتهم ونموهم ."
وأكدت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم أنّ الإمارات عززت قيم التسامح والتعايش والانفتاح، وتحتضن مختلف الثقافات والجنسيات التي تجد على أرضها حرية التعبير وتمارس عاداتها وتقاليدها وثقافتها، وتشعر فيها بالانتماء، وهذا ليس جديداً علينا بل هو جزء أصيل من هويتنا كمجتمع. فهذه الروح من التعايش متجذّرة في هوية دبي والإمارات."
وتابعت: "يتحدّث جيل والديّ بلغات التجار والعائلات التي جاءت إلى دبي للعمل وتأسيس حياة جديدة. من النادر أن تجد مكانًا يتعلم فيه أهله لغات المقيمين، بدلاً من العكس. ولكن روح الانفتاح التي تربينا عليها تعكس الكثير عن هوية أجدادنا، ومدى احتضانهم وترحيبهم بالآخرين من جميع أنحاء العالم. وهو إرث حقيقي نفخر به".
وأكدت معالي نورة الكعبي أن ما يميز أي مكان هو العقلية التي يتبناها، مشيرةً إلى أن سموّها قد عبّرت عن هذا المفهوم بوضوح عندما تناولت الحديث عن طرق التجارة، ففي كل مدينة نشأت حول ميناء، نجد ثراءً فريداً وانفتاحاً على العالم.
لافتةً إلى أنّ هذه الروح تعكس الكيفية التي تأسّست عليها دولتنا، وأوضحت معاليها أنّ نشأتها في بلد متعدد الثقافات، قبل زمن طويل من ظهور مصطلح "التعددية الثقافية"، كان له دور محوري في ترسيخ هذا الفكر وتنمية هذا النهج.
وتابعت قائلةً: "الدبلوماسية الثقافية ليست مجرد مفهوم بل ممارسة فعلية، ونعمل بشكل وثيق مع مؤسسات مثل اليونسكو وإيكروم، مع التركيز على بناء القدرات والتنمية طويلة الأمد".
وأشارت معاليها إلى أنها، من خلال هذه الشراكات، كانت جزءاً من فريق سافر إلى بغداد عام 2018، ووقع اتفاقيةً أسهمت منذ ذلك الحين في تدريب أكثر 7000 مهني عراقي، ودعم فرص عمل لأكثر من 3000 شخص، وهو ما أحدث أثراً مستداماً.
وأوضحت معاليها أن هذا النموذج "هو ما نسعى إلى تطبيقه في أماكن أخرى، مستفيدين من المعرفة التي اكتسبناها مع مجتمعاتنا المحلية والدولية، والدفع بها إلى مستويات أعلى".
وأوضحت سموّ رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي أن المرونة الاستثنائية التي يتمتع بها نظام العمل الحكومي في دبي تعزّز قوة منظومتها الثقافية، فبعد الانتهاء من صياغة الاستراتيجية الثقافية ، اجتمع صنّاع القرار المعنيين على طاولة واحدة لمراجعتها وتطويرها، ما ضمن معالجة كل الفجوات وتعزيز كل الفرص قبل رفع الاستراتيجية إلى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي لاعتمادها، وهو ما يعكس نظاماً قائماً على الوضوح والمرونة والثقة المتبادلة.
وشدّدت سموها على أن الرؤية تُحدد من القيادات العليا، إلا أن الاستراتيجية تبنى من القاعدة مستنيرةً برؤى وتطلعات المجتمع الإبداعي، وأضافت أن ما يجعل هذا النموذج فعّالاً حقاً هو مرونته، فعندما تتطلب أي مبادرة تعديلاً، تكون لدى الفريق مساحة للعودة إلى القيادة وعرض النتائج، وإعادة ضبط التوجه فوراً.
وشاركت معالي نورة الكعبي قصةً شخصيةً قالت فيها: "أردتُ قضاء بعض الوقت مع سموّها والتواصل معها خلال أسبوع دبي للتصميم. وقد أذهلني حقاً مدى عمق تفاعلها مع كل جناح، وكل فنان، وكل طالب، وكل موهبةٍ التقت بها.
وكانت أسئلتها دقيقةً جداً تعلمتُ منها الكثير. وما ألهمني أكثر هو قدرة سموّها على تفعيل الأفكار فوراً، سواء كانت مبادراتٍ كبرى أو حتى أموراً بسيطة ومعبّرة".
وتابعت معاليها: "خلال جائحة كوفيد19، شهدنا جميعاً كيف تأثّر القطاع الإبداعي بتداعيات الإغلاق. واجتمعنا وسألنا أنفسنا: كيف نحافظ على المنظومة الثقافية حيّة؟
وهنا أعدنا توجيه الميزانيات -الأموال التي كانت مخصّصة للفعاليات أو التسويق- لإنشاء برنامج الدعم الوحيد من نوعه في المنطقة للمبدعين، لأنّ انتظار عودة الأمور إلى طبيعتها لم يكن خياراً صائباً.
لقد ذكّرنا ذلك بضرورة وجود استراتيجية مدروسة وتفعيلها، لكن كل ذلك لا يمكن تحقيقه بدون الناس، فهم جوهر كل ما نقوم به، ومن دونهم لا يمكن لأي استراتيجية أن تتحقق."
وتأكيداً على أهمية المتاحف، أوضحت مينا أن دبي تحتضن مجموعة من المتاحف المتميزة، من بينها "متحف المستقبل" الذي يجسّد جوهر موضوع هذا المؤتمر.
وطرحت سؤالاً على سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم حول الكيفية التي ساهمت بها تجربة دبي في إنشاء مؤسسة مستقبلية كهذه في صياغة رؤيتها لمستقبل المتاحف، وكيف تتصوّر هذا المستقبل. فأجابت سموّها قائلة: "يحمل شباب اليوم ثقافة عالمية، ولكننا نشهد في الوقت نفسه فخرهم وتمسكهم بالهوية المحلية والأصالة الثقافية.
وأؤمن بأن متاحفنا يجب أن تعكس هذا التوازن. فالجمال الحقيقي لعالمنا يكمن في تميز ثقافتنا، وعلى مدى عقود، كان جزء كبير من تواصلنا العابر للحدود يستند إلى البحث عن أوجه التشابه، بينما نجد في اختلافاتنا فرصاً متميزة لتعزيز الفهم المتبادل."
وأكّدت سموّها أن على الدول ومؤسساتها الثقافية مسؤولية الاحتفاء بخصوصية ثقافاتها وإبرازها بأساليب أصيلة، مشيرةً إلى أن الإمارات من الدول التي تُعاش فيها التقاليد وتُمارس يومياً، لا بوصفها رموزاً من الماضي، بل كجزء طبيعي من الحياة المعاصرة.
وعند سؤال سموّها عن رؤيتها للثقافة من خلال أعين أبنائها والجيل الجديد، استذكرت زيارتهم لمتحف المستقبل قائلة: "أول ما لفت انتباهي انبهارهم ،بعالم التكنولوجيا، وفكرة أنهم قادرون على الإسهام في تشكيل المستقبل. لكن ما أثّر فيّ أكثر هو شغفهم باكتشاف ذواتهم:
هويتهم وجذورهم، وهذا الفضول أكد لي مجدداً مدى أهمية الاستمرار في إبراز ثقافتنا، ولماذا تشكل قيمنا الطريقة التي نعيش بها اليوم. وهذه من أهم الدروس التي يمكن أن ننقلها إلى الجيل القادم".
أوضحت مينا العريبي أن الدبلوماسية الثقافية في دبي لا تقتصر على العلاقات بين الحكومات أو المدن، بل تزدهر أيضاً عبر التعاون الفعّال بين القطاعين العام والخاص.
ومع قيادة القطاع الخاص للمتحف المرتقب في دبي "متحف دبي للفنون" -وهو مثال يجسّد اتساع المنظومة الثقافية في الإمارة- تساءلت مينا عن كيفية ظهور هذا النهج وما التأثير الذي سيتركه على المشهد الثقافي.
لتجيب سموّها: "هذا التوجه نابع من رؤية قيادية استثنائية. فقد شدّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على أهمية العمل جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص.
ومن خلال إشراكه في المشاريع الثقافية الكبرى في دبي، وفي توجهاتنا الاستراتيجية، وفي الخطط التي ترسم مستقبل المدينة، نضمن أن يحظى هذا القطاع بدور فعّال في عملية صنع القرار. وما شهدته مراراً أن القطاع الخاص لديه رغبة كبيرة في المساهمة، ولكنه بحاجة إلى مسار واضح".
وتابعت سموّها قائلة: "بصفتنا جهة حكومية، فإن دورنا يتمثل في تمكين القطاع الخاص والصناعات الإبداعية من الازدهار. ففي دبي، لطالما نما الإبداع من الناس أنفسهم.
ومسؤوليتنا ليست فرض اتجاه محدد، بل تهيئة البيئة للنمو، وإزالة العوائق، وتقديم الدعم والشراكات عندما يحتاجها المبدعون ورواد الأعمال. وهذا هو نهج دبي لتحويل الأفكار إلى واقع بأثر مستدام."
واختتمت سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم الجلسة بالإعراب عن أملها أن يحتفظ كل الضيوف بذكرى هذا الحدث، وأن يحملوا روح الافتتاح الذي تمتاز به دبي في قلوبهم، وأن تظل هذه التجربة محفورة في ذاكرتهم.
أخبار متعلقة :