الارشيف / حال المال والاقتصاد

المشاريع الصغيرة في الإمارات.. تسهيلات تفوق التحديات

  • المشاريع الصغيرة في الإمارات.. تسهيلات تفوق التحديات 1/2
  • المشاريع الصغيرة في الإمارات.. تسهيلات تفوق التحديات 2/2

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 28 سبتمبر 2025 11:14 مساءً - كان رائد الأعمال الشاب خالد رومية قد وضع تصوراً زمنياً لا يتخطى أعواماً قليلة للتوسع السوقي وتثبيت أقدامه في السوق الإماراتي، وذلك ضمن دراسة الجدوى التي في ضوئها قام بتأسيس شركته الصغيرة المتخصصة في مجال حلول المنازل الذكية عام 2019.

وخالد مثله مثل الآلاف من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الجديدة في بشكل عام ودبي بشكل خاص، الذين استطاعوا خلال السنوات القلائل الماضية الاستفادة من عشرات التسهيلات التي باتت بيئة الأعمال المحلية تتمتع بها عبر المزايا الإجرائية والمالية والاستشارية التي أرستها الجهات الحكومية على مدار الفترة، لتشجيع رواد الأعمال وفئات المشاريع الصغيرة والمتوسطة على صعيد تأسيس الشركات التي تمثل العصب الأساسي للاقتصاد المحلي وبيئة الأعمال الوطنية.

فالشركات الصغيرة والمتوسطة تختص بحصة الأسد في ناتج الدولة بنحو 63 % من إجمالي الناتج وفق بيانات رسمية لوزارة الاقتصاد والسياحة، بما يعكس التأثير الاقتصادي القوي لتلك المشاريع التي تمثل 95 % من إجمالي الشركات في الإمارات حتى عام 2024، وهو ما يظهر رقماً يناهز المليون شركة صغيرة ومتوسطة تعمل في الإمارات حالياً تختص أيضاً بما يوازي 86 % من عمالة القطاع الخاص.
إن التسهيلات المتنوعة التي باتت تنفرد بها بيئة الأعمال المحلية والتحديات التي ما زالت تبحث عن حل، أصبحت توضح مدى ديناميكية قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وما جنته الدولة من ثمار اقتصادية لرؤيتها المبكرة في دعم ريادة الأعمال.

نجحت رؤية الإمارات السبّاقة في تطوير منظومة متكاملة ومتطورة لنمو وازدهار قطاع ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بما جعل الدولة، وفق معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، رئيس مجلس الإمارات لريادة الأعمال، تسير بخطوات واثقة نحو ريادتها عالمياً في احتضان رواد الأعمال وأصحاب المشاريع المبتكرة والمبدعين وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمدخرات سواء من خارج الدولة أم المواطنين أم المقيمين للتحول نحو تأسيس مشاريعهم وأعمالهم الخاصة والانتقال من مرحلة التعليم أو الوظيفة إلى مرحلة امتلاك الأعمال، وتحويل أفكارهم على الورق لمؤسسات واقعية توظف وتدير وتقدم سلعاً وخدمات تدر عليها الربحية
وقال معالي عبدالله بن طوق لـ«حال الخليج»: إن الدولة باتت تمتلك بنية تحتية تكنولوجية رائدة وتشريعات اقتصادية مرنة لتحفيز تبني الأفكار الإبداعية لرواد الأعمال والشركات الناشئة وتشجيعهم على تحويلها إلى مشاريع تجارية واستثمارية ناجحة تخدم تنوع وتنافسية الاقتصاد الوطني.

فيما تتمتع أيضاً بمناخ أعمال تنافسي يتيح التملك الأجنبي الكامل للشركات بنسبة 100 % في معظم القطاعات، ويوفر أكثر من 2000 نشاط اقتصادي لإطلاق وتأسيس المشاريع، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المناطق الاقتصادية المتقدمة التي تدعم نمو الأعمال وتوسعها، وهو ما أسهم في رقم ضخم من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي باتت تستحوذ على 95 % من إجمالي الشركات العاملة في الدولة، وعلى ما يقرب من 86 % من حجم العمالة في القطاع الخاص.

ويقول معالي وزير الاقتصاد: إن هذه التطورات الاقتصادية والتشريعية أسهمت في ترسيخ مكانة الإمارات كأكثر الاقتصادات دعماً لرواد الأعمال على المستويين الإقليمي والدولي بما عزز حصولها على المرتبة الأولى عالمياً للعام الرابع على التوالي في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2024 - 2025 والذي صنفها كأفضل مكان لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

عاصمة الأعمال

ومن المنتظر أن تشهد بيئة ريادة الأعمال في الدولة نقلة نوعية مدفوعة بإطلاق الحملة الوطنية «الإمارات عاصمة رواد الأعمال في العالم»، حيث تعزز بشكل مباشر من جاذبية الإمارات كبيئة لتأسيس المشاريع الناجحة لمزيد من رواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم مع إرساء عوامل الابتكار والإبداع وسهولة نقل الخبرات والتكنولوجيا التي تسهم في المقابل في رواد الأعمال الإماراتيين، وتسهيل نفاذيتهم من السوق المحلي نحو الأسواق العالمية المختلفة.

وأضاف معالي بن طوق: «نمضي قدماً في ظل قيادة رشيدة ونظرة ثاقبة في المستقبل ودعم لا محدود نحو مزيد من التعاون مع شركائنا على مستوى القطاعين الحكومي والخاص في المبادرات الرامية لتمهيد طريق الدولة نحو تبوؤ مرتبة الوجهة الأولى للمواهب والمبتكرين ورواد الأعمال عالمياً مع تعزيز مستقبل وتنافسية ريادة الأعمال الوطنية، بما يسهم أيضاً في ترسيخ مكانة الإمارات مركزاً عالمياً رائداً لريادة الأعمال والابتكار والاقتصاد الجديد».

وتحدث معاليه عن أهمية وجود الكثير من حاضنات ومسرعات الأعمال الوطنية والخاصة التي توفر العديد من احتياجات المشاريع الناشئة وبدايات تأسيس الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فبرامج التمويل المتنوعة وآليات تعزيز ثقافة ريادة الأعمال وتلبية احتياجات رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل حصولهم على التمويلات اللازمة وحلول وخدمات دعم الأعمال؛ كل ذلك يعد إضافة واضحة في تنافسية بيئة الأعمال ونجاحها في تسريع وتيرة تحول الشركات الصغيرة.

ولا تنفك الوزارة عن تبني كل السبل لفتح المجالات أمام رواد الأعمال وأصحاب المشاريع المبتكرة وتعزيز حركة تأسيس المشاريع والتحول برؤوس الأموال الصغيرة إلى كيانات كبرى ذات تأثير اقتصادي قوي، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية حرصت على إطلاق مبادرات داعمة لنمو أعمال رواد الأعمال والشركات الناشئة، وأبرمت شراكات مثمرة مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة المعنية بريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

برامج وطنية

ويعدد معالي بن طوق تلك المبادرات، فهناك مشروع «موطن ريادة الأعمال»، و«البرنامج الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة» الذي أتاح منذ انطلاقه وحتى الآن أكثر من 25 خدمة وحافزاً للمشاريع التي يؤسسها رواد الأعمال الإماراتيون، ما زاد من نسب نجاح تلك المشاريع بشكل واضح وأسهم في تحولها لمؤسسات ذات حصة سوقية ملحوظة.

ويعد «البرنامج الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة» نوعاً متطوراً من حاضنات الأعمال التي تمكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للمواطنين من النمو والتطور، وذلك عبر إيجاد حلول مباشرة لاحتياجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الوطنية، وإقامة شراكات فعالة مع الجهات المعنية لتلبيتها بما في ذلك تسويق أعمالهم ومنتجاتهم داخل وخارج الإمارات وتسهيل وتمكينهم من الوصول إلى الحلول التمويلية وخدمات دعم الأعمال وزيادة إنتاجية وكفاءة إدارتهم لمؤسساتهم.

وتتبلور جهود البرنامج الوطني من خلال تقديم 3 حزم متنوعة من التسهيلات والدعم لتعزيز رواد الأعمال وقدرتهم على الاستمرارية والتنافسية السوقية بما يدعم الربحية وثبات ونمو الأعمال.

وتأتي في مقدمة حزم الدعم «حزمة المشتريات الحكومية»، والتي ترسي واجهة موحدة لوصول رواد الأعمال إلى منصات مشتريات 12 جهة ومؤسسة حكومية وخدمية كبرى تتميز بحجم الإنفاق بهدف تسهيل وصول أعضاء البرنامج للمناقصات المطروحة وتمكينهم من التقديم والمنافسة على تلك المناقصات، ويتم ذلك عبر تمكين أعضاء البرنامج من التسجيل كموردين والوصول إلى المزايا التي تقدمها كل جهة من الجهات المشاركة، ما يمثل شريحة وسوقاً موسعاً أمام رواد الأعمال للاستفادة من العقود المباشرة عبر نسبة مخصصات المشتريات الحكومية من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

كما يوفر البرنامج الوطني «حزمة برنامج دعم الأعمال»، والتي تقدم عدداً من برامج التسهيلات المباشرة وفي مقدمتها «برنامج حوافز»، والذي يعزز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة بشأن تسهيلات العمالة، وذلك عبر شراكة مجلس المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التابع لوزارة الاقتصاد مع وزارة الموارد البشرية والتوطين بهدف تعزيز التعاون المشترك لتطوير السياسات والإجراءات الخاصة بمنح عدد من الحوافز والتسهيلات لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من المواطنين.

تأمين المخاطر

كما تتضمن برامج الحزمة تلبية جزء مهم من احتياجات رواد الأعمال على الصعيد المالي، ألا وهو «برنامج خدمات التأمين» من خلال إقامة شراكات مع مؤسسات رائدة في قطاع التأمين لدعم رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للمواطنين وزيادة معرفتهم بكيفية تحديد المخاطر الرئيسية المتعلقة بأعمالهم وتسهيل وصولهم إلى أنواع التأمين المختلفة المتاحة لهم للتخفيف من أثر هذه المخاطر.

ويتيح البرنامج حصول أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تأمين مناسب من إدارة المخاطر بالطريقة الواجبة وضمان تخفيف أثرها، ما يتيح لهم المجال لإدارة أعمالهم دون تحمل العبء الناجم عن الأحداث غير المتوقعة التي قد تؤدي إلى إبطاء سير العمل أو وقفه عند مواجهة الأزمات.

كما تتضمن حزمة دعم الأعمال خدمات المحاسبة والتدقيق عبر التعاون مع المؤسسات العالمية والمحلية المختلفة لتقديم هذا النوع من الخدمات للأعضاء بما في ذلك تطوير حوكمة المؤسسات والمشاريع الصغيرة وتمكينها من النمو إلى جانب خدمات تخطيط الموارد المؤسسية عبر التعاون مع مؤسسات رائدة في مجال تخطيط الموارد ووضعها تحت تصرف رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المواطنين الذين هم بحاجة إلى مثل هذه الخدمات لضمان إدارة مواردها بشكل أمثل، ما يؤدي إلى تقليل التكاليف وارتفاع الربحية.

وتعد أهم حزم الدعم المقدمة من جانب البرنامج الوطني لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي «حزمة الحلول التمويلية» والتي يتم تنفيذها من خلال الشراكة مع مصرف الإمارات للتنمية، حيث يعد توفر أدوات التمويل المتنوعة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أمراً بالغ الأهمية خلال كل مراحل حياتها من حيث التأسيس والنمو والتطور، ويهدف البرنامج الوطني إلى إقامة شراكات مع مؤسسات رائدة في القطاع المالي، ما يتيح سبل التعاون بينها وبين رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للمواطنين لتوفير خيارات تمويل موسعة وإثراء معرفتهم بأدوات التمويل المتاحة لهم.

حزمة تسهيلات

وأجمع الخبراء والمتختصون على مجموعة من التسهيلات المقدمة لرواد الأعمال وهي: تطور التشريعات والقوانين المحلية، وتنافسية عالمية للإمارات في سرعة استصدار التراخيص، وقانون الملكية الأجنبية الكاملة، واستحداث فئات التراخيص المرنة، وتسهيلات الإعفاء من توفير المقار التشغيلية، وإعفاءات متنوعة للرسوم، وإرساء أكثر من 2000 قطاع لإنشاء الأعمال، ومزايا استثنائية لمشاريع التجارة الإلكترونية وحلول التكنولوجيا، ومنح التأشيرات طويلة الأجل لأصحاب المشاريع والمبتكرين، وتنوع سوق العمل بالمواهب والكوادر المتخصصة، وتسهيلات وحوافز تنافسية لاستقدام العمالة، وجاهزية البنية التحتية التكنولوجية لإدارة الأعمال ، وسهولة انتقال التجارة والسلع، والبرامج الوطنية لدعم ريادة الأعمال، ومبادرات تشجيع الصادرات، وبرامج الترويج والتسويق والشراء الحكومية، وانتشار حاضنات الأعمال الحكومية والخاصة، ونوافذ تمويلية للتأسيس الأولى للمشاريع.

وتحدث رائد الأعمال، خالد رومية، عن تجربته ليؤكد في البداية أن المشروع الناجح هو ابتكار أو موهبة أو فكرة قد تكون حاضرة ولها باع أكاديمي أو عملي لدى رائد الأعمال تحتاج أن تتحول لمشروع مستقل أو تكون قد نبتت لرغبته في دخول سوق الأعمال، وهنا تتبلور الفكرة وفق عوامل شخصية كخبرات وقدرات رائد الأعمال.

وقال: نعم كانت فترة التأسيس الأولى صعبة، فدخول السوق لأول مرة محفوف بالكثير من التوقعات، ولا سيما مع مجالات الخدمات والسلع غير المعتادة على أذهان الناس، إلا أن أحد أهم العوامل الأولية التي ساعدتني هو حاجة السوق للتكنولوجيا، وهنا نجد أن الإمارات تمتلك رؤية سباقة لتعزيز التكنولوجيا في مناحي الحياة، فلم تساعد رواد الأعمال فحسب، بل فتحت مجالات جديدة للغاية لتأسيس شركات مختصة ومشاريع ناشئة مختصة بتوفير حلول التكنولوجيا. وأول ما يواجه أصحاب المشاريع الصغيرة عند البدء في تحويل أفكارهم لواقع تجاري ملموس، هو مدى ما يحتاجونه من جهد ووقت وكلفة في إجراءات التأسيس، فهي بنود أساسية في رأس المال الأولى للمشروع، تلك النقطة التي تتمتع بيئة الأعمال المحلية فيها بأسبقية واضحة عالمياً من حيث سرعة تأسيس المشاريع وإصدار رخصها، حيث باتت أقصى مدة لتأسيس المشاريع، وإصدار الرخص التجارية، سواء عبر وزارة الاقتصاد أم الدوائر الاقتصادية لا تتخطى 4 أيام، أي أقل بنسبة 60 % في الوقت المقدر متوسطه 10 أيام، ضمن أكثر وجهات تأسيس الأعمال والأعلى دخلاً عالمياً، في الوقت الذي أدرجت تلك الجهات التنظيمية الكثير من النوافذ الإلكترونية التي تقلص الوقت إلى رقم قياسي لا يتخطى 15 دقيقة لعملية التقديم للتراخيص مثل منصات «باشر» وغيرها.

وأضاف: بل واستحدثت دوائر التراخيص، ولا سيما في دبي وأبوظبي، فئات لتأسيس الشركات دون قيود إجرائية كثيرة، بل بلا كلفة أساسية بالإعفاء من توفير مقار تشغيلية أو مساحات مكتبية اعتيادية، وهو ما دفع المشاريع الصغيرة لأن تتصدر أنشطة تأسيس الأعمال، وفق إحصائيات الدوائر وجهات إصدار التراخيص المحلية منذ بداية 2025، سواء من حيث نوعية النشاط، حيث كانت مشاريع المتاجرة الإلكترونية، ومكاتب المقاولات الصغيرة، ومكاتب الخدمات العقارية، والمطاعم ووحدات الأطعمة والمشروبات في مقدمة الأكثر ترخيصاً على مدار الأعوام الماضية، أم من حيث نمط التأسيس، حيث سادت حركة تأسيس الشركات في الإمارات أنماط قانونية محددة هي ذات المسؤولية المحدودة والشركات الفردية وشركات الشخص الواحد والمهنية، وهي الأنماط المعتادة لتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وتابع: لا نجد أبرز الأدلة على ذلك سوى ما نقرأه من إحصائيات سجل تراخيص الشركات لدى وزارة الاقتصاد، فأنماط الشركات تلك بالأخص تحوز 90 % من الشركات المؤسسة في دبي بمفردها، أي ما يتجاوز 570 ألف شركة، وكانت أيضاً تلك الفئات في مقدمة الفئات الأكثر نمواً في عدد التراخيص الجديدة.

وإن كانت الحاجة السوقية والطلب إلى جانب سهولة ممارسة الأعمال وتحريرها من القيود الإجرائية قد ساهما في نجاح توقعات رائد الأعمال في سرعة دوران رأس المال الخاص بمشروعه، واستطاعته في سنين قلائل التمحور في السوق والنفاذية لكثير من العملاء، فإن تلك العوامل وفق قوله ليست بمفردها المزايا التنافسية المتوفرة أمام رواد الأعمال لتحويل أحلامهم إلى مشاريع قادرة على دخول السوق، بل إن الإمارات باتت بيئة خصبة لريادة الأعمال متعددة التسهيلات والمبادرات الداعمة.

فما بين انتشار حاضنات الأعمال أو تبسيط الإجراءات التنظيمية الإدارية، كاستقدام العمالة والخبرات أو تقديم التسهيلات والإعفاءات التشغيلية أو مبادرات الترويج أو نوافذ الشراء المباشر من الشركات الصغيرة، ولا سيما الشراء الحكومي، يجد رائد الأعمال في يده الكثير من الأدوات التي قد يستطيع تطويعها لبناء مشاريع ناجحة.

مسرعات الأعمال

ويبرز الخبير الاقتصادي، أحمد الدرمكي، ما استطاعت حاضنات الابتكار ومسرعات الأعمال تحقيقه على مدار سنوات طوال من دعم ريادة الأعمال وتوفير بيئة خصبة لانطلاق المشاريع، فالحاضنات مثل «صندوق خليفة لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة»، و«برنامج محمد بن راشد لدعم المشاريع الناشئة» تارة توفر قروضاً ميسرة أو ضمانات للتمويل المصرفي، وتارة تقدم برامج تدريبية واستشارية تساعد رواد الأعمال على إعداد دراسات الجدوى، وخطط العمل، وإدارة التدفقات النقدية، وبالتالي زيادة فرص نجاح مشاريعهم.

وتتحدث الأرقام عن نفسها، حيث توضح أحدث الإحصائيات أن 19904 شركات صغيرة ومتوسطة قد نالت دعم «مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة» على مدار الفترة منذ تأسيسها عام 2002 حتى نهاية العام الماضي، فيما تم توفير الخدمات الاستشارية والتدريبية من الصندوق إلى 53206 رواد أعمال، كما حصلت أكثر من 1200 شركة صغيرة ومتوسطة على تمويلات توازي 1.3 مليار درهم منذ تأسيس «صندوق خليفة لتطوير المشاريع»، فيما قام الصندوق بتدريب أكثر من 35 ألف مواطن على ريادة الأعمال والاستشارات.

ويواصل الدرمكي إلقاء الضوء على خصوبة بيئة الأعمال المحلية، بالحوافز التي لم تقتصر على رواد الأعمال المواطنين، بل طالت أصحاب المشاريع والمبتكرين ورؤوس الأموال الصغيرة، حيث بات من حق كل شخص أجنبي تأسيس عمله التجاري، بملكية كاملة لرأس المال، مع التمتع بتأشيرات طويلة الأجل لهم والعمالة الماهرة أيضاً، بمزايا وحوافز تنافسية مع عدم رفع الرسوم، بل تطبيق تخفيض انتقائي أيضاً لها، بما جعل الكثير من المشاريع الصغيرة والمستقلة تخرج من عباءة المشاريع المشتركة.

وقال: لا تكتفي الإمارات بنجاح تجاربها، بل تحاول توسعة ذلك، بالاستفادة من نجاحات تجارب أخرى انتهت إلى تطبيق تشريعات الاستثمار الأجنبي، بما عزز جذب رؤوس الأموال، فيما عدد حوافز مباشرة أخرى، تضمنت خفض تكاليف التسويق والتأمين على الصادرات، وتقديم مساعدات تسويقية، وعقد اتفاقيات تجارية لفتح الأسواق، وتطبيق إعفاءات من كل الرسوم والترخيص، وتسهيل إجراءات التسجيل، والتوسع في إنشاء المناطق الحرة والاستثمارية.

عقبة التمويل

ولأن كل مجال له عقباته، فإن هناك بعض العقبات التي ما زال رواد الأعمال يبحثون لها عن حلول في مقدمتها التمويل، حيث تحد القيود التمويلية من قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار في المشاريع المبتكرة، أو اغتنام فرص النمو، أو إعادة الهيكلة عند الحاجة لذلك.

فحاضنات الأعمال تسهم في جزء من حل تلك المشكلة، من خلال حزمة من الحلول التمويلية ما بين التمويل المباشر بأسقف تمويلية ما بين 400 ألف إلى 2 مليون درهم وفق كل مؤسسة أو من خلال التمويل غير المباشر عبر قنوات تعاون مع المصارف بسقفها إلى مليوني درهم، إلا أن الجزء الأكبر من المشكلة يتمثل في انخفاض تمويلات المصارف للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ورغم أن إحصائيات المصرف المركزي تظهر أن الإمارات الثانية خليجياً في التمويل المصرفي للمشاريع الصغيرة، فإن نسبة إجمالي التمويل ما زالت دون 10% من إجمالي التمويلات المصرفية الممنوحة لقطاع الأعمال، بما يجعل معظم الشركات لا تحصل على تمويلات مصرفية قوية تدعمها وتناسب قدراتها التأسيسية.

عزوف البنوك

وذكر الخبير المصرفي أمجد نصر أبرز عوامل نقص التمويل ومنها: محدودية الضمانات، وارتفاع مستوى المخاطر الائتمانية، وغياب البيانات المالية الدقيقة في ظل ضعف الخبرة المالية والإدارية لأصحاب المشاريع.

وقال: البنوك تحتاج الرهونات العقارية أو الأصول الثابتة كضمانات، وهو ما لا يتوفر لمعظم المشاريع الصغيرة، فيما نجد أن أغلب اعتماد تلك المشاريع على التدفقات النقدية اليومية، ما يجعلها أكثر عرضة للتعثر في حال حدوث أي خلل في السوق أو تراجع في المبيعات، كما لا توفر الكثير منها حسابات مدققة أو تقارير مالية منتظمة تفيد بالتقييم الدقيق للجدارة الائتمانية.

وأضاف: رواد الأعمال يفتقرون في كثير من الأحيان إلى خبرة إعداد تلك الحسابات والموازنات، فيما تميل البنوك نحو الشركات الكبيرة لكونها أكثر استقراراً وربحية، كما أن العوائد على تمويلاتها تكون أكثر من مثيلاتها الصغيرة مقابل التكلفة التشغيلية التي تنفقها البنوك لمنح التمويل

حلول مقترحة

ويقترح نصر مزيداً من التنسيق بين الجهات المصرفية والمظلات الداعمة لأنشطة ريادة الأعمال لدعم منظومة الإمارات كواحدة من أسرع وأفضل بيئات الأعمال، من حيث البنية التحتية المتطورة والسهولة في الإجراءات الحكومية والمبادرات الشاملة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويتلخص التنسيق في نواحٍ محددة وهي: إيجاد نظام من الشراكة بين الحكومة والبنوك لتتحمل الحكومة دور التمويل المبكر والدعم الفني، بينما تتولى البنوك التمويل الأكبر عندما تثبت المشاريع قدرتها على النجاح والاستدامة، حيث من شأن تلك الشراكة تقليل المخاطر على البنوك ويعزز فرص نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة أو أن تبادر البنوك ضمن دورها المجتمعي بمبادرة شاملة لتخصيص جزء من الأرباح السنوية نحو دعم المشاريع الصغيرة في بدايتها، ومن شأن ذلك في المقابل إنجاح الجهود التسويقية للبنوك نحو اجتذاب شريحة أوسع من قطاع الأعمال.

ويعود الدرمكي للحديث عن تلك النقطة، مشيراً إلى حلول ناجعة، كربط كل الخدمات والمزايا بمنظومة حكومية موحدة لكل الخدمات لرواد الأعمال وتوفير برامج تمويل للمشاريع بشروط ميسرة، مثل خفض الفوائد طول فترة السداد مع التوسع في إدراج التصنيف الائتماني للشركات الصغيرة من ضمن خدمات شركة الاتحاد للمعلومات الائتمانية.

مطالب إضافية

فيما تظل هناك بعض المطالب التي تدعم استكمال منظومة الدعم لرواد الأعمال ولا سيما المواطنين، وفق المختص الاقتصادي محمد الجابري، الذي يرى ضرورة استحداث برامج تمويل مصرفية مع آليات خاصة للتعامل مع التعثر المالي، متطرقاً إلى أمور مهمة مثل الرسوم والإيجارات.

وأكد أهمية زيادة حصص الشركات الصغيرة على صعيد المناقصات الحكومية، بما يدعم أعمالهم ويساعدهم على تحقيق قيمة سوقية تكفل لهم المنافسة مع ضرورة زيادة التسهيلات والدعم المباشر على صعيد الكلفة التشغيلية للمشاريع الإنتاجية.

خصوبة البيئة الاقتصادية تطال رواد الأعمال المواطنين والأجانب

قصص نجاح..

«كريم» و«سوق دوت كوم» من دبي إلى العالمية

شهدت دبي عدداً من صفقات الاستحواذ الكبيرة ذات التأثير العالمي، مثل استحواذ شركة «أوبر» العالمية على شركة «كريم»، التي تأسست في مدينة دبي للإنترنت ضمن صفقة قيمتها 3.1 مليارات دولار.

وتعد «كريم» التي تأسست في دبي، وانطلقت أعمالها في مدينة دبي للإنترنت، في العام 2012 برأس مال قدره 100 ألف دولار (367 ألف درهم) واحدة من أنجح الشركات، كما استطاعت تحقيق ربحية مرتفعة خلال فترة قصيرة، ما أهلها للدخول في هذه الصفقة التي تعد من بين أكبر الصفقات المبرمة في مجال شركات التقنية على مستوى المنطقة، وتعكس المناخ الاستثماري المحفز الذي توفره دبي لرواد الأعمال والشركات الراغبة في الانطلاق منها بوصفها بوابة عبور لسوق ضخمة يقطنها نحو ملياري نسمة وتضم مجموعة كبيرة من الاقتصادات الواعدة، حيث قامت الإمارة بصياغة إطار تشريعي مرن ومتكامل يضمن سهولة الإجراءات وتيسير عملية ممارسة الأعمال في الإمارة ومناطقها الحرة، في حين دعمت ذلك ببنية تحتية غاية في التطور.

كما شهدت إمارة دبي الميلاد الفعلي لقصة نجاح ونمو شركة «سوق دوت كوم»، وانطلاقها إلى العالمية منصة متطورة للتجارة الإلكترونية، وهو ما اجتذب شركة «أمازون» العالمية للاستحواذ عليها بالكامل، وتلتقط ثمرة ناضجة.
تأسس موقع «سوق دوت كوم» خلال عام 2005، في مدينة دبي للإنترنت، وكانت من أوائل الشركات وقتها التي تعمل في المنطقة في مجال التسوق عبر الإنترنت، وكموقع للمزاد العلني، مرتبط ببوابة العرب للإنترنت «مكتوب».

وخلال أغسطس 2009، أعلنت شركة «ياهو» العالمية الاستحواذ على منصة «مكتوب»، فيما لم يكن موقع «سوق دوت كوم» مشمولاً في الصفقة، فانفصل الموقع عن «مكتوب»، بعد ذلك. وفي أوائل عام 2011، تحول الموقع إلى نموذج سوق للبيع بأسعار ثابتة، وأطلق قسم البيع بالتجزئة في أواخر عام 2011.

Advertisements

قد تقرأ أيضا