الارشيف / حال المال والاقتصاد

177 مليار تكلفة الحرب بين "جيمناي" و"ChatGpt"

177 مليار تكلفة الحرب بين "جيمناي" و"ChatGpt"

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 28 سبتمبر 2025 11:46 مساءً - شهد العامان الأخيران تحولاً جذرياً في الاقتصاد العالمي، مدفوعاً بـطفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يُعاد تشكيل خارطة الأرباح والنزاعات القانونية، ليصبح الصراع الأكبر هو حرب على العقل ذاته.

هذا التنافس المحتدم، الذي تغذيه نماذج مثل شات جي بي تي وجوجل جيمناي، أدى إلى نمو متوقع لسوق الذكاء الاصطناعي التوليدي العالمي بمعدل سنوي مركب يتجاوز 24% بين عامي 2025 و2034، حيث يُتوقع أن تصل قيمة السوق إلى حوالي 177.1 مليار دولار بحلول نهاية الفترة، مما يبرهن على أننا أمام تحول هيكلي عميق في الاقتصاد العالمي (نقلاً عن غلوبال ماركت إنسايتس).

إيرادات قياسية

هذه الطفرة الهائلة تستمد وقودها من إيرادات الشركات التي توفر البنية التحتية لهذا العصر الجديد، وتبرز هنا شركة "إنفيديا" كـ "المُموّل الأكبر"، إذ ارتفعت إيراداتها بفضل مبيعات وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) المخصصة لمراكز البيانات.

في الربع الثالث من عام 2025 وحده، سجلت إيرادات "إنفيديا" نمواً مذهلاً بنسبة 94% على أساس سنوي، لتصل إلى 35.1 مليار دولار، وكان الجزء الأكبر منها يرجع مباشرة إلى إيرادات مراكز البيانات التي بلغت 30.8 مليار دولار نتيجة مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي مثل سلسلة "هوبر"، مع تطلعات لنمو أكبر بفضل جيل "بلاك ويل" الأحدث (نقلاً عن أناليزيفاي وبلومبيرغ).

هذه الأرقام الضخمة تُظهر كيف أصبح العتاد الصلب (Hardware) المخصص للذكاء الاصطناعي هو "النفط الجديد" الذي تتقاتل الشركات الكبرى على تأمينه.

سيطرة مايكروسوفت

على صعيد البرمجيات والخدمات، تُعتبر "مايكروسوفت" هي "الرابح الأكبر"، بفضل استثمارها الاستراتيجي في "أوبن إيه آي" ودمجها لأداة "كوبايلوت" في منتجاتها المكتبية برسوم اشتراك شهرية تبلغ 30 دولاراً للمستخدم الواحد على الاشتراكات المؤسسية لـ "مايكروسوفت 365 كوبايلوت".

تُظهر الأرقام المالية لعام 2025 نجاح هذه الاستراتيجية بوضوح؛ ففي الربع الأول من السنة المالية 2025، تجاوزت إيرادات "مايكروسوفت" الإجمالية 70 مليار دولار، وشهدت اشتراكات "كوبايلوت" نمواً صاروخياً بنسبة 175% على أساس سنوي، مما دفع صافي ربح الشركة ليقفز إلى حوالي 25.8 مليار دولار في هذا الربع (نقلاً عن تقرير أرباح مايكروسوفت للربع الأول من السنة المالية 2025).

وقد علّق الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا على هذا التطور بأن الذكاء الاصطناعي هو "لحظة الأجيال" في تاريخ التكنولوجيا.

تكلفة الاحتكار

مع هذه الإيرادات القياسية، يجب الإشارة إلى التكلفة الخفية لهذه الثورة، وهي الإنفاق الرأسمالي الهائل اللازم لتدريب النماذج الضخمة. إن تدريب نموذج رائد واحد يكلف عشرات، بل مئات الملايين من الدولارات في شكل طاقة حوسبة وشرائح إنفيديا باهظة الثمن.

هذا الواقع دفع شركتي "مايكروسوفت" و"ألفابيت"(Alphabet) إلى الإعلان عن استثمارات رأسمالية تصل إلى 30 مليار دولار لكل منهما تقريباً في عام 2025، لضمان استمرار تفوقهما في البنية التحتية السحابية للذكاء الاصطناعي (نقلاً عن تقارير علاقات المستثمرين في مايكروسوفت وجوجل).

هذا الإنفاق الضخم يعني أن عمالقة التكنولوجيا يحصّنون مكانتهم، مما يضع ضغوطاً هائلة على الشركات الناشئة الأصغر حجماً.

فبينما وصل التمويل الخاص للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى 33.9 مليار دولار عالمياً في عام 2024، بزيادة قدرها 18.7% عن العام السابق، فإن غالبية هذا التمويل يذهب نحو الشركات التي تحظى بدعم العمالقة، مما يخلق ما يُعرف بـ "اقتصاد الذكاء الاصطناعي الثنائي" حيث تسيطر حفنة من الشركات على الموارد اللازمة للابتكار المتقدم (نقلاً عن تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025 لجامعة ستانفورد).

البيانات النوعية

هذا الاحتكار لا يقتصر على الأموال والعتاد فحسب، بل يمتد إلى "البيانات النوعية"؛ فشركات مثل "ألفابيت" و**"مايكروسوفت"** تمتلك مخازن ضخمة وحصرية من البيانات الخاصة بالمستخدمين والمؤسسات، مما يمنحها ميزة لا تُعوّض في تدريب النماذج، لأن جودة النماذج تتناسب طردياً مع حجم ونوعية البيانات التي تملكها. هذه البيانات النوعية تشكل بوابة احتكارية غير قابلة للتفاوض يصعب على أي منافس جديد تجاوزها حتى لو توفر له التمويل اللازم للحوسبة.

صراعات قانونية

بعيداً عن الأرباح، برزت الدعوى القضائية التي رفعتها صحيفة "نيويورك تايمز" ضد "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت"كقضية محورية، حيث زعمت الصحيفة أن ملايين المقالات المحمية بحقوق النشر قد استُخدمت دون تعويض لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وطالبت بتعويضات قد تصل إلى مليارات الدولارات، بالإضافة إلى المطالبة بتدمير أي نماذج تدريب تستخدم محتواها (نقلاً عن دعوى نيويورك تايمز ضد أوبن إيه آي).

ورغم ذلك، لم تضع الأحكام القضائية النهائية حداً للجدل؛ ففي منتصف عام 2025، صدر قرار قضائي في قضايا مماثلة ضد شركات مثل "أنثروبيك" أيد بشكل جزئي مبدأ "الاستخدام العادل" (Fair Use) لتدريب النماذج، بشرط ألا يكون الغرض هو التكرار المباشر للعمل الأصلي أو التدريب على مواد مسروقة، مما منح شركات التكنولوجيا حذراً ولكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام الابتكار (كما جاء نصاً في حكم المحكمة الفيدرالية الأمريكية، يونيو 2025).

وفي تطور قانوني آخر، أشار حكم صدر عن القضاء البريطاني في يونيو 2025 إلى خطر الاستخدام غير المسؤول للذكاء الاصطناعي من قبل المحامين بعد تقديمهم مذكرات تتضمن اقتباسات وهمية، مما يضع مسألة المساءلة المهنية على الطاولة ويعكس أحدث التحديات الأخلاقية (نقلاً عن حكم المحكمة العليا البريطانية، يونيو 2025).

توظيف المستقبل

على صعيد التوظيف، لا يُتوقع أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الموظف بالكامل، بل سيحل محل مهامه المكررة، فيما يُعرف بـ "التدمير الخلّاق". تشير توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى إزاحة 85 مليون وظيفة، ولكنه سيخلق في المقابل 97 مليون وظيفة جديدة، بصافي مكاسب يبلغ 12 مليون وظيفة، مما يؤكد أن التحدي هو في إعادة تدريب القوى العاملة وليس بالضرورة في فقدان الوظائف.

المهارة الأغلى ثمناً حالياً هي "هندسة الموجهات" (Prompt Engineering)، أي فن توجيه نماذج الذكاء الاصطناعي للحصول على نتائج عالية الجودة. يبرهن هذا المشهد المالي والقانوني بأننا لا نشهد مجرد موجة تقنية عابرة، بل تحولاً جذرياً تتنافس فيه المليارات على تحديد هوية "العقل الجديد" للاقتصاد العالمي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا