الارشيف / حال المال والاقتصاد

غياب أوروبي عن قائمة «نادي العشرين» لأكبر الشركات العالمية

غياب أوروبي عن قائمة «نادي العشرين» لأكبر الشركات العالمية

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 8 أكتوبر 2025 03:22 مساءً - اجتاحت صورة لقائمة عن أكبر الشركات في العالم منصات التواصل الاجتماعي لتتفوق على كل التحليلات الاقتصادية المطولة، جدول بسيط يعرض أسماء أكبر 20 شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، وباستثناء ثلاث شركات من شرق آسيا هيمنت الولايات المتحدة على القائمة، بينما غاب أي اسم أوروبي منها تماماً. لم يكن ذلك خطأ مطبعياً، بل إشارة رمزية إلى لحظة تحول في التاريخ المالي العالمي، حيث أعاد سباق الذكاء الاصطناعي رسم قمة الهرم الاقتصادي.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة «PwC» في مارس 2024، أصبحت الولايات المتحدة وحدها تمثل 70% من القيمة السوقية لأكبر 100 شركة حول العالم، لتؤكد تفوقها في «نادي العشرين» الذي خلت قائمته من أي عضو أوروبي.
ولم تصل الولايات المتحدة إلى هذا الموقع صدفة، بل بفضل رهان مبكر على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. فقد قفزت قيمة شركة «إنفيديا»، بنسبة 225% خلال عام واحد، لتدخل لأول مرة قائمة الخمسة الكبار. واستعادت ميكروسوفت صدارة الشركات العالمية بفضل خدمات الحوسبة السحابية واستثماراتها الجريئة في شركة «أوبن ايه آي»، بينما حققت شركات مثل «ميتا» و«أمازون» و«ألفابت» و«تسلا» مكاسب تراوحت بين 42% و125%. ومع نهاية تلك الموجة الصاعدة، أصبحت مجموعة «السبعة الكبار» تستحوذ على أكثر من ثلث القيمة السوقية لأكبر 100 شركة، بعدما كانت حصتها لا تتجاوز 28% عام 2023.
في المقابل، وجدت أوروبا نفسها خارج اللعبة، ليس لأن اقتصادها ضعيف، بل لأنها تفتقر إلى مكونات القوة التي تحدد عصر الذكاء الاصطناعي. فالقارة العجوز لا تملك عملاق شرائح قادراً على منافسة شركات مثل «تي إس إم سي» التايوانية أو إنفيديا الأمريكية. الشركة الأوروبية الوحيدة التي تقترب من هذا المجال هي «إيه إس إم إل» الهولندية، وهي الخامسة والعشرون على العالم، إلا أنها تصنع معدات الطباعة الحجرية لأشباه الموصلات ولا تنتج الشرائح نفسها، ما يجعلها لاعباً غير مباشر في السلسلة، وإن كان مهماً.
أما ثاني الثغرات الأوروبية فتكمن في طبيعة الشركات الكبرى في القارة، التي تهيمن عليها قطاعات منخفضة الحساسية للمضاربات، مثل الأدوية والسلع الفاخرة والمواد الاستهلاكية. فشركة نوفو نورديسك الدنماركية المتخصصة في أدوية السمنة تعد الأعلى قيمة في أوروبا بنحو 569 مليار دولار. كذلك تُصنف شركات مثل «إل في إم إتش» الفرنسية ونستله السويسرية ضمن الأسماء القوية، لكنها تتداول بمضاعفات أرباح لا تتجاوز 18 ضعفاً، مقارنة بمضاعفات تصل إلى 45 ضعفاً لشركات التكنولوجيا الأمريكية. وبما أن السوق يقيس القيمة بناء على توقعات النمو، فإن أوروبا تدفع ثمن حذرها المالي وتباطؤها في الاستثمار في القطاعات عالية المخاطر.
الثغرة الثالثة والأعمق هي بنية السوق الأوروبية المجزأة والتمويل المحلي المحدود. فلا تزال البورصات الأوروبية تسيطر عليها الشركات البنكية والصناعية التقليدية، وتمثل هذه القطاعات نحو ثلث المؤشر العام، في حين لا تتجاوز حصة التكنولوجيا 8%، مقارنة بـ35% في مؤشر «إس آند بي 500» الأمريكي. كما أن صناديق التقاعد الأوروبية تستثمر نحو 60% من أموالها داخل الأسواق المحلية، وغالباً في السندات الحكومية الآمنة، ما يقلل السيولة المتاحة لتمويل الشركات الناشئة أو دعم الأسهم ذات النمو المرتفع.
في المقابل، تظهر آسيا وجهاً مختلفاً. فقد اقتحمت «تي إس إم سي» التايوانية قائمة العشرة الأوائل بقيمة تجاوزت 630 مليار دولار، مدفوعة بارتفاع الطلب العالمي على الشرائح. واحتفظت سامسونج الكورية وتويوتا اليابانية بموقعهما بين الكبار بفضل نجاحهما في مجالات الذاكرة والسيارات الهجينة. أما الصين، التي كانت تمتلك في السابق عدة أسماء في القائمة، فقد فقدت اثنين منها نتيجة ضعف الثقة في الأسواق المحلية وتداعيات أزمة العقارات، رغم استمرار وجود تنسنت وبترود الصين بين أكبر أربعين شركة عالمياً.
من هنا يتضح أن آسيا موجودة بقوة في قطاعات محددة، لكن الولايات المتحدة تملك النظام البيئي الكامل الذي يربط الشرائح بالبرمجيات والسحابة والمحتوى والبيانات في منظومة واحدة. هذه التكاملية تمنحها الهيمنة على قمة السوق، إذ لا تقتصر قوتها على الابتكار التقني بل تمتد إلى التمويل والاستثمار وثقافة الريادة.
هل يمكن لأوروبا العودة إلى المنافسة؟ النظرة الواقعية تقول إن الطريق صعب لكنه ليس مستحيلاً. الاتحاد الأوروبي يحاول إطلاق مشروع «Gaia-X» لبناء بنية تحتية سحابية أوروبية، لكن المشروع لم يثمر بعد عن شركة عامة تستطيع منافسة أمازون أو ميكروسوفت. كما أن الخطط المشتركة بين إنتل و«تي إس إم سي» لبناء مصانع في ألمانيا قد تمنح القارة قدرة إنتاجية جديدة. أما على صعيد السوق، فإن سوق الأسهم يحتاج لإصلاحات هيكلية وتشجيع للشركات على إعادة شراء الأسهم، وهي سياسات لا تزال تواجه تحفظاً واسعاً.
غياب أوروبا عن قمة الشركات لا يعني أنها فقدت قوتها الاقتصادية، فهي لا تزال من أكبر التكتلات التجارية في العالم. لكن المشهد الجديد يكشف أن القيمة السوقية أصبحت تتبع الأنظمة البيئية للابتكار أكثر من ارتباطها بحجم الناتج المحلي. وفي عالمٍ يتجه نحو الذكاء الاصطناعي والبيانات والحوسبة السحابية، راهنت أمريكا في الوقت المناسب، بينما لا تزال أوروبا أسيرة حذرها المالي وقواعدها التنظيمية الصارمة.

Advertisements

قد تقرأ أيضا