ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 11:30 صباحاً - قال صندوق النقد الدولي إن مسار تعافي الدول العربية من تبعات الصراعات السياسية والاضطرابات، يتطلب دعماً دولياً شاملاً لا يقتصر على التمويل، بل يشمل تخفيف الديون، وبناء المؤسسات، والمساعدات الفنية، وذلك ضمن تقرير «آفاق الاقتصاد الإقليمي» لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، الصادر اليوم.
وتمثل إعادة هيكلة الديون ركيزة محورية لتمكين الاقتصادات المتعافية من تحقيق نمو مستدام، على أن يتم تنفيذها بفعالية وبالتوازي مع إصلاحات هيكلية مدروسة، تتيح استقرار الاقتصاد وتعزيز ثقة المستثمرين، وفق الصندوق.
إلا أن عملية التعافي من النزاعات في المنطقة تعد «صعبة وبطيئة»، بسبب حدة الصراعات وطول مدتها، إلى جانب ضعف فترات الاستقرار، وهو ما يفاقم من حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، بحسب المؤسسة الدولية التي شددت على ضرورة تركيز الحكومات على التنسيق الجيد للمساعدات الدولية، مع وضع أولويات للاستقرار الاقتصادي والحوكمة، بما يسهم في خفض التقلبات ودعم الاستهلاك والاستثمار.
تأثيرات متفاوتة على دول المنطقة
تعاني المنطقة العربية منذ عقود من حروب متتالية، واضطرابات داخلية تطورت في أكثر من بلد إلى حروب أهلية طاحنة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي.
واستشهد تقرير الصندوق بعدد من الحالات في المنطقة، ففي مصر يسعى الاقتصاد خلال الفترة المقبلة لتجاوز الآثار السلبية التي تعرض لها نتيجة حرب غزة، وخصوصاً من ناحية فقدان قناة السويس لحوالي نصف إيراداتها، كما تحاول سوريا إعادة بناء اقتصاد البلاد الذي عانى منذ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت خلال 2011 وتحولت سريعاً إلى صراع مسلح انتهى بسقوط النظام السابق وسط عقوبات دولية صارمة، كما يأمل لبنان في التوصل إلى توافق سياسي يفتح الباب لترميم الاقتصاد الذي يعاني منذ سنوات من أزمة خانقة تفاقمت مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على البلاد.
وخلال الأسبوع الماضي، رفع الصندوق توقعاته لنمو المنطقة خلال العامين الحالي والمقبل، حيث توقع نمواً في 2025 بنسبة 3.3% بينما كانت تقديراته في شهر يوليو الماضي عند 3.2%، أما بالنسبة لعام 2026 فيرى الصندوق أن نمو المنطقة سيتسارع إلى 3.7%، بينما كانت توقعاته خلال يوليو عند 3.4% فقط.
جاءت التوقعات الجديدة لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بناءً على اختفاء آثار اضطرابات إنتاج النفط والشحن، وتراجع آثار الصراعات الدائرة، واستندت النظرة الإيجابية للصندوق إلى تحسن في أسعار النفط مقارنة بتقديراته السابقة، وتسارع أداء الاقتصاد السعودي الذي يعد الأكبر في المنطقة.
معياران للتعافي من الصراع
يقيس صندوق النقد عملية التعافي الناجحة من خلال معيارين هما: عودة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غضون خمس سنوات إلى مساره الذي كان متوقعاً قبل الصراع، مع الحفاظ على السلام خلال هذه الفترة. وذكر التقرير أن متوسط نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بعد الصراع لمدة خمس سنوات أقل بكثير من المتوسط العالمي ومن نظيره في مناطق مشابهة، حيث يقل عن 1%، بينما يصل نظيره في مناطق مشابهة إلى 4.8%. كما تميل فترات السلام التي تتخلل اشتعال الصراعات الجيوسياسية إلى أن تكون في الشرق الأوسط أقصر بكثير من باقي مناطق العالم.
صلابة ومرونة اقتصادات المنطقة
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي: إن صلابة ومرونة اقتصادات المنطقة عنصر إيجابي في مواجهة الصدمات التي عاشتها الاقتصادات العالمية، معتبراً أن التحولات التجارية والوضع الجيوسياسي وتقلبات أسعار النفط تشكل أبرز هذه الصدمات، وحذر من استمرار عدم اليقين الذي يتطلب مزيداً من التكيف مع مختلف التطورات.
وأشار أزعور، إلى أن تنويع اقتصادات المنطقة يبرهن أن أسباب هذه المرونة تأتي من مصادر عدة. ففي دول الخليج يرجع الفضل إلى سياسات تنويع الاقتصاد التي حصلت في السنوات الأخيرة بعدما كانت تعتمد بشكل أكبر على القطاعات النفطية، وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط تم تجاوز ذلك بالرفع من مستويات الإنتاج.
أما على مستوى الدول الأخرى، فتحدث أزعور عن دعم قطاعات عدة على رأسها السياحة، وارتفاع التحويلات الخارجية وتراجع أسعار النفط بما ساهم في خفض تكلفة الطاقة.
رفع توقعات نمو اقتصادات الخليج
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصادات دول الخليج خلال عامي 2025 و2026، مدفوعاً بتعافي إنتاج النفط والزخم المتواصل في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، في ظل الطلب المحلي القوي الناتج عن برامج التنويع الاقتصادي، التي تتبناها دول المنطقة.
وبحسب النسخة المحدثة من تقرير «آفاق الاقتصاد الإقليمي» لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا الصادرة اليوم، يتوقع الصندوق أن تحقق اقتصادات الخليج توسعاً بنسبة 3.9% في 2025، بزيادة 0.9 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة الصادرة في مايو الماضي. كما يرجح أن يرتفع النمو إلى 4.3% في 2026، بزيادة 0.2 نقطة مئوية.
يتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط سعر النفط 69 دولاراً للبرميل في 2025، ثم يتراجع إلى 66 دولاراً اعتباراً من 2026 ليستقر حول هذا المستوى حتى 2030. ويشكل ذلك انخفاضاً من متوسط الأسعار البالغ 79 دولاراً في العام الماضي.
سباق الذكاء الاصطناعي
تعد الإمارات والسعودية وقطر من دول المنطقة المؤهلة بدرجة عالية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لما تتوفر لديها من بنية تحتية وما ضخته من الاستثمارات في هذا القطاع، بحسب أزعور، في حين أشار إلى أن الدول الأخرى تحتاج لتسريع الوتيرة لتكون جاهزة للاستفادة، من خلال دعم الشركات الناشئة المبتكرة، وأضاف: «هذه قطاعات ستغير صورة الاقتصاد العالمي وعلى دول المنطقة أن تواكب وألا تنتظر حتى يصبح ذلك حقيقة». «التحول الاقتصادي العالمي يفتح المجال للدول الناشئة لتلعب دوراً أكبر ودول الخليج لديها إمكانية لتكون الرابط بين اقتصادات عالمية كبيرة»، وفقاً للمسؤول في صندوق النقد الدولي. وأشار إلى أن لعب هذا الدور يتطلب توسيعاً أكبر لسوق مجلس التعاون الخليجي من خلال تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي وتعميق الأسواق المالية لاستقطاب أكبر لرؤوس الأموال وتنويع أكثر لمصادر التمويل، والاستمرار في بناء القدرات خارج القطاع النفطي لتنويع دخل الدول وتخفيف الاعتماد على النفط.