ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 10 نوفمبر 2025 11:59 مساءً - في وقت تشهد أسواق العملات الرقمية زخماً واهتماماً عالمياً، خصوصاً من الجيل «زد»، وتتصاعد فيه القضايا المرتبطة بالاحتيال والاختراق وغسل الأموال، تبرز الإمارات استثناء لافتاً، إذ رسخت موقعها بصفتها إحدى أكثر البيئات أماناً وجاذبية للأصول الرقمية في العالم.
وحافظت دبي على ثقة المستثمرين بفضل منظومتها التشريعية المتقدمة وهيئاتها التنظيمية مثل VARA، التي أشرفت على تداولات أصول افتراضية بلغت قيمتها نحو 2.5 تريليون درهم في 9 أشهر.
«حال الخليج» تفتح ملف الاستثمار في سوق العملات الرقمية والأصول الافتراضية، وتلقي الضوء على استراتيجية الإمارات بشكل عام، ودبي بشكل خاص، في مواجهة مخاطر هذا السوق وكيفية نجاحها في تحقيق التوازن بين الابتكار والرقابة في آن واحد.
وتعد هيئة تنظيم الأصول الافتراضية VARA التي تأسست في دبي بمثابة أول جهة تنظيمية مستقلة من نوعها في العالم، وتلعب دوراً حاسماً في ترسيخ مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للعملات والأصول الافتراضية.
فقد بلغت قيمة التداولات التي تمت من خلال الكيانات الخاضعة لتنظيم VARA إلى ما يقرب من 2.5 تريليون درهم (681 مليار دولار) منذ بداية العام حتى أول أكتوبر الماضي.
وتطمح دبي إلى رفع إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 0.5% (2.2 مليار درهم) حالياً، إلى نحو 3% (13 مليار درهم) مع نمو النظام البيئي للأصول الافتراضية.
وأشارت تقديرات تقريرين لـ«Economy Middle East» و«تشيناليسيس» إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تلقت أكثر من 30 مليار دولار من العملات المشفرة في الفترة بين يوليو 2023 ويونيو 2024. ما يصنف الدولة بين أفضل الدول على مستوى العالم في هذا الصدد.
الرقابة والإشراف
ويقول دان جونسون، المدير العام بسلطة تنظيم الأصول الافتراضية بدبي: تعتمد سلطة تنظيم الأصول الافتراضية إطاراً قائماً على تقييم المخاطر، حيث لا ترتبط الالتزامات التنظيمية بأصول معينة.
بل تتدرج وفقاً لنوع النشاط الذي تمارسه الجهة، وطبيعة قاعدة متعامليها (من الأفراد أو المؤسسات)، ومستوى المخاطر المرتبطة بالمنتجات. ويضمن هذا النهج تحقيق الاتساق في الرقابة والإشراف، مع الحفاظ على قدر من المرونة لاستيعاب الابتكار في مختلف التقنيات والاستخدامات.
وأضاف: نوفر بيئة مستقرة تمكن الشركات الموثوقة من الابتكار بدون تردد، تصدر سلطة تنظيم الأصول الافتراضية أدلة تنظيمية ومبادئ توجيهية واضحة، وتعتمد بشكل متزايد على تحليل البيانات وتقنيات البلوك تشين للانتقال من المراقبة التفاعلية إلى الرقابة والإشراف شبه الفوري.
كذلك تنفذ السلطة تجارب تجريبية محكمة لاختبار الابتكارات ضمن بيئة آمنة تحاكي الواقع العملي، بما يضمن تحقيق توازن دقيق بين التطور والاحتراز.
الحماية
وعن كيف توازن سلطة تنظيم الأصول الافتراضية بين تحفيز الابتكار في الأصول الافتراضية وحماية المستثمرين من المخاطر والاحتيال، وهل تتعاون مع دول أخرى لمواجهة التحديات المشتركة مثل غسل الأموال؟ قال شون ماكهيو، المدير الأول في سلطة تنظيم الأصول الافتراضية بدبي:
نتبنى إطاراً متوازناً يجمع بين دعم الابتكار وحماية المستثمرين؛ فبدلاً من فرض حظر شامل، تضع السلطة قواعد تنظيمية مرنة تراعي طبيعة النشاط، وتتيح الابتكار المسؤول في المجالات الناشئة.
مثل الذكاء الاصطناعي والتمويل اللامركزي، مع ضمان نزاهة السوق وحماية المستثمرين من خلال معايير صارمة للامتثال والشفافية، كما نستخدم تقنيات إشراف متقدمة للكشف المبكر عن المخاطر أو الأنشطة المشبوهة، من بينها تحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي والمراقبة في الوقت الفعلي.
ويسمح هذا النهج الاستباقي القائم على البيانات بحماية المستثمرين وترسيخ الثقة بالسوق من دون تقييد الابتكار، بما يضمن ازدهار المبتكرين الحقيقيين ضمن منظومة آمنة ومنضبطة.
كما توفر السلطة بيئات اختبار تنظيمية، مثل المختبرات التشريعية «صناديق الرمل» والبرامج التجريبية، متيحة للمبتكرين فرصة تجربة تقنيات أو نماذج رمزية جديدة تحت إشراف رقابي مباشر، وتساعد هذه البيئات على فهم التقنيات الناشئة وتطوير القواعد بما يتناسب معها، مع تحقيق توازن بين التجربة والمساءلة.
أما على الصعيد الدولي فقال ماكهيو إن السلطة تدرك أن الأصول الافتراضية والمخاطر المرتبطة بها عابرة للحدود، لذا تتعاون بشكل نشط مع الجهات التنظيمية الأخرى لوضع معايير مشتركة وتفادي تجزئة الأسواق، تعاوناً يسهم في ضمان تقدم الابتكار وحماية المستثمرين معاً في بيئة عالمية منسقة.
الأصول الرقمية
أكد فيجاي فاليشا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في «سنشري فاينانشال»، أن الإمارات صارت بسرعة مركزاً عالمياً للأصول الرقمية، مدفوعة بالحوافز الكبيرة التي تقدمها مقارنة بمراكز أخرى، مثل سنغافورة وسويسرا.
فغياب الضرائب على الدخل أو المكاسب الرأسمالية يجذب استثمارات ضخمة، إلى جانب سهولة التراخيص والدعم المصرفي والتنظيمي، ما يمنح الإمارات ميزة نادرة في الساحة العالمية للعملات الرقمية.
وأضاف: على الرغم من أن سنغافورة وسويسرا تمتلكان أنظمة تنظيمية راسخة، فإن إنشاء الهيئة التنظيمية للأصول الافتراضية VARA في الإمارات عام 2022 وفر بسرعة إطاراً واضحاً لمقدمي خدمات الأصول الافتراضية، موفراً وضوحاً تنظيمياً ودعماً للشركات الناشئة في مجال البلوك تشين ورواد الأعمال.
ثغرات قانونية
يتابع فاليشا: وقد سلطت الجائحة العالمية الضوء أيضاً على جاذبية الإمارات، حيث بقيت دبي مفتوحة بينما أغلق العالم، ما جذب المحترفين القادمين عن بُعد، بمن فيهم مؤسسو شركات العملات الرقمية وفرقهم، الذين استقروا في دبي على المدى الطويل، وأسسوا عملياتهم، وشاركوا تجاربهم الإيجابية، فأسهم ذلك في استمرار نمو القطاع حتى اليوم.
وعن التحديات التي تواجهها الجهات التنظيمية في مراقبة سوق العملات الرقمية الذي يعمل عبر حدود دولية، قال: تنشأ معظم التحديات التنظيمية العابرة للحدود للعملات الرقمية من صعوبة تصنيف هذه الأصول:
هل تُعتبر أوراقاً مالية، أم سلعاً، أم عملات؟ وتختلف الإجابة عن هذا السؤال من دولة إلى أخرى، ففي الولايات المتحدة تصنف العملات الرقمية أوراقاً مالية، فيما تعتبرها دول أخرى سلعاً أو تخضع للضرائب كأصول عقارية.
هذا الغياب لتوحيد المعايير يخلق ارتباكاً للشركات ويفتح ثغرات قانونية لبعض الجهات، على سبيل المثال قد يقوم غاسل أموال بتحويل أموال حصل عليها بشكل غير قانوني إلى «بيتكوين» عبر منصة تداول غير ملتزمة في دولة تصنف العملات الرقمية سلعاً ولديها لوائح ضعيفة، ثم يستخدم «مخلطاً» Mixers أو Tumblers لدمج العملة المشبوهة مع أموال مشروعة.
ويحول الأموال إلى منصة تمويل لامركزي DeFi في دولة أخرى، ويستبدل بها عملة رقمية خاصة، ثم يسحبها عبر بورصة خارجية ذات إجراءات تعرف على المتعامل ضعيفة، محولاً الأموال إلى نقد في دولة ذات تطبيق ضعيف لقوانين مكافحة غسل الأموال.
كما أن التعامل على «البلوك تشين» اللامركزي يجعل من الصعب تحديد أي قوانين دولة تنطبق على المعاملة أو المنصة التي تعمل عبر مناطق عدة، ما يزيد التعقيد التنظيمي. وقد أفاد تقرير من Chainalysis بأن التحقيقات العابرة للحدود غالباً ما تتعطل بسبب بطء إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة.
وأن بعض المنصات الرقمية تتجاوز الطرق التقليدية، ما يصعب تتبع المعاملات وربط عناوين المحفظة بالهويات الحقيقية، خصوصاً عند ضعف أو غياب الالتزام بإجراءات التعرف على المتعامل ومكافحة غسل الأموال.
من أجل حماية المستثمرين
يذكر فاليشا أن المستثمرين واجهوا في النصف الأول من هذا العام خسائر غير مسبوقة في سوق العملات الرقمية، بلغت الخسائر نحو 2.5 مليار دولار بسبب الاختراقات والاحتيالات، وفقاً لشركة CertiK لأمن البلوك تشين، منها 1.71 مليار دولار نتيجة اختراق المحافظ، ونحو 410 ملايين دولار من هجمات التصيد الاحتيالي.
وقد شكل اختراق «باي بت» ByBit بقيمة 1.5 مليار دولار وسرقة Cetus بقيمة 220 مليون دولار الجزء الأكبر من هذه الخسائر.
ووفقاً لتقرير Chainalysis تمت سرقة أكثر من 2.17 مليار دولار من خدمات العملات الرقمية حتى منتصف 2025، حيث شكل اختراق ByBit المرتبط بكوريا الشمالية نحو 70% من المجموع، فيما تمثل الهجمات على المحافظ الشخصية أكثر من 23% من حالات السرقة، ما يبرز ضعف حماية المستثمرين الأفراد.
ولمواجهة هذه المخاطر يقترح فاليشا نهجاً متعدد الطبقات: الحماية التنظيمية، وذلك من خلال قواعد إلزامية بالتعويض ومتطلبات الاحتياطي. وفي الولايات المتحدة اقترحت CFPB قواعد تلزم شركات العملات الرقمية بتعويض المتعاملين عن المعاملات غير المصرح بها، مع الحفاظ على احتياطيات كافية لدعم الودائع، ما يقلل أثر الهجمات السيبرانية.
كذلك ينبغي تعزيز الأمن المؤسسي من خلال اعتماد المحافظ الباردة، والمصادقة متعددة التوقيع، وأنظمة كشف التهديدات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
كما يشهد سوق التأمين على العملات الرقمية توسعاً، حيث تقدر قيمته الآن بـ 4.2 مليارات دولار، على الرغم من أن 90% من المستثمرين المؤسسيين لا يزالون يعتبرون مخاطر الطرف المقابل هي الأهم.
هناك أيضاً توحيد اللوائح مثل قانون CLARITY الأمريكي لتعريف الأصول الرقمية، وقانون GENIUS الذي يفرض دعماً كاملاً للـ stablecoin، إضافة إلى تنظيم MiCAR الأوروبي.
تعزيز المرونة
ويلفت فاليشا إلى ثغرة أخرى، هي أن عمليات التأمين والسلامة المادية محدودة حالياً (نحو 10% من حاملي العملات الرقمية مؤمّنون)، في ظل ارتفاع الجرائم المادية المرتبطة بالعملات الرقمية، بما في ذلك الاختطافات والغارات على المنازل، مع توسع شركات مثل Aon وCanopius في تقديم منتجات Kidnap & Ransom للمستثمرين.
كما يجب التوعية وإنفاذ القانون الاستباقي وتحسين متطلبات التعرف على المتعامل ومكافحة غسل الأموال للحد من التصيد والاحتيال، مع تزويد المستثمرين بالوعي العملي بأساليب حماية المحافظ.
وفي النهاية ومن أجل حماية المستثمرين لا بد من مزيج من التنظيم، والمسؤولية المؤسسية، والابتكار التأميني، والتعاون الدولي لتعزيز المرونة في بيئة الأصول الرقمية المتزايدة.
رؤية ومرونة تشريعية
شهادة أخرى على لسان حسن الريس، الخبير في مجال العملات الرقمية، الذي يقول: ما يميز الإمارات هو الجمع بين رؤية استراتيجية طويلة المدى ومرونة تشريعية عالية.
فالدولة لا تكتفي بنسخ النماذج التنظيمية الناجحة من مراكز عالمية مثل سنغافورة أو سويسرا، بل تبني إطاراً يتماشى مع احتياجاتها الاقتصادية ورغبتها في أن تكون مركزاً مالياً عالمياً متقدماً.
كما أن البيئة الاستثمارية في الإمارات مدعومة ببنية تحتية متطورة، وسياسات جاذبة للمواهب ورؤوس الأموال، فضلاً عن قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة تعكس ديناميكية السوق، ما يمنحها ميزة تنافسية واضحة.
لكن التحدي الأكبر أمام الجهات التنظيمية في الإمارات يكمن في الطبيعة العابرة للحدود لسوق الأصول الرقمية، فالمعاملات قد تتم بين أطراف في قارات مختلفة خلال ثوانٍ معدودة، ما يجعل مسألة مراقبة التدفقات المالية وضمان الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عملية معقدة.
كذلك، هناك تحدٍ يتعلق بمواءمة القوانين المحلية مع الأطر التنظيمية الدولية من دون أن تفقد الإمارات قدرتها على الابتكار وجاذبيتها بصفتها مركزاً عالمياً. التوازن بين الحماية والمرونة هو العامل الحاسم في المرحلة المقبلة.
تحديات عالمية
أما المستشار القانوني الدكتور علاء نصر فقال: تمثل مراقبة سوق الأصول الرقمية تحدياً عالمياً معقداً، نظراً إلى الطبيعة العابرة للحدود للعملات المشفرة وتفاوت الأطر التنظيمية بين الدول.
وأوضح أن أبرز هذه التحديات تتمثل في اختلاف تعريفات الأصول ومتطلبات الترخيص، بما يسمح أحياناً بانتقال الأنشطة بين الولايات القضائية لتفادي الالتزامات.
إضافة إلى صعوبة تتبع العمليات في بروتوكولات التمويل اللامركزي والخدمات التي تعزز الخصوصية، فضلاً عن التحديات التقنية لتطبيق قاعدة السفر الخاصة بمجموعة العمل المالي FATF على مستوى دولي موحد.
والتي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال. لكن يوجد تقدم ملموس في التعاون الدولي لمكافحة الجرائم المالية المرتبطة بالأصول الرقمية، إلا أنه ما يزال بحاجة إلى مزيد من التنسيق.
وأضاف نصر أن الإمارات اعتمدت إلزامياً تطبيق قاعدة السفر على مزودي خدمات الأصول الافتراضية، وفعلت الرقابة على الامتثال عبر هيئة الأوراق المالية والسلع والمصرف المركزي والسلطات التنظيمية في المناطق الحرة المالية، بما يعزز مواءمة الدولة مع أفضل الممارسات الدولية.
وما يميز الدولة هو البنية التنظيمية المتعددة التي تجمع بين إطار اتحادي شامل وهيئات متخصصة مثل هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي VARA، وسلطة تنظيم الخدمات المالية في أبوظبي، وهيئة دبي للخدمات المالية، وهذا التنوع يمنح الشركات وضوحاً قانونياً وخيارات مرنة، مع حظر واضح لعملات الخصوصية، وتبني معايير صارمة لمكافحة غسل الأموال.
كما أن إصدار مركز دبي المالي العالمي قانون الأصول الرقمية لعام 2024، الذي حدد الطبيعة القانونية لهذه الأصول وحقوق ملكيتها، يمنح الإمارات ميزة استثنائية.
دان جونسون:
دبي توفر بيئة مستقرة تمكّن الشركات الموثوقة من الابتكار
شون ماكهيو:
«فارا» تضع قواعد تنظيمية مرنة تراعي النزاهة والحماية
فيجاي فاليشا:
الإمارات مركز عالمي للأصول الرقمية مدفوعة بالحوافز الكبيرة
حسن الريس:
الإمارات تبني إطاراً يتماشى مع احتياجاتها الاقتصادية
علاء نصر:
اختلاف تعريفات الأصول والمتطلبات أبرز التحديات العالمية
الجانب المظلم للعملات الرقمية
اجتاحت الأصول الرقمية موجات احتيال رقمي وتهرب ضريبي، حيث حكم أحد القضاة على سام بانكمان فريد بالسجن لمدة 25 عاماً بتهمة سرقة 8 مليارات دولار من متعاملي بورصة العملات المشفرة «إف تي إكس» (FTX) المفلسة، التي قام بانكمان بتأسيسها، وهي الخطوة الأخيرة في الانهيار الدراماتيكي للملياردير السابق.
ونجد روجر فير، المستثمر في عملة «بيتكوين»، يواجه اتهامات خطيرة في الولايات المتحدة تتعلق بالتهرب الضريبي والاحتيال، ففي عام 2014 حصل فير على جنسية سانت كيتس ونيفيس وتخلى عن جنسيته الأمريكية. بموجب القانون.
كان عليه دفع «ضريبة الخروج على أصوله»، التي شملت أكثر من 131 ألف بيتكوين بلغت قيمتها حينها نحو 114 مليون دولار (بسعر 871 دولاراً للبيتكوين)، لكن الادعاء يقول إنه قدم معلومات مضللة وناقصة قللت من قيمة ممتلكاته الفعلية.
في عام 2017 استولى فير على نحو 70 ألف بيتكوين مملوكة لشركاته، وباعها مقابل 240 مليون دولار نقداً، وحسب السلطات، لم يبلغ فير عن هذه العملية ولم يصرح بأرباحها في إقراراته الضريبية.
وقد قدر الادعاء الأمريكي الخسائر الضريبية الناجمة عن ذلك بنحو 48 مليون دولار واجبة الدفع لمصلحة الضرائب (IRS) عن الفترة بين عامي 2014 و2017.
وتتضمن لائحة الاتهام الموجهة إلى فير 8 تهم جنائية: 3 تهم احتيال بريدي (قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة لكل تهمة)، تهمتي تهرب ضريبي (العقوبة حتى 5 سنوات لكل تهمة) و3 تهم تقديم إقرارات كاذبة (عقوبتها حتى 3 سنوات لكل تهمة).
تم توقيف فير في إسبانيا في أبريل 2024، وتعمل الولايات المتحدة على تسليمه، فيما يحاول فريق دفاعه الطعن في التهم بالقول إن قانون «ضريبة الخروج» لا ينطبق على الأصول الرقمية.
أعلنت وزارة العدل الأمريكية العام الماضي عن أكبر عملية مصادرة مدنية في تاريخها ضد شبكات نصب وغسل أموال بالعملات الرقمية. القضية شملت أكثر من 225 مليون دولار تمت مصادرتها من محافظ مرتبطة بعمليات احتيال، وهي شبكات تستدرج الضحايا لاستثمارات وهمية ثم تستولي على أموالهم.
وكشف التحقيق عن أن الأموال انتقلت عبر 39 محفظة رقمية بطرق معقدة لإخفاء مصدرها، لكن بفضل تعاون وزارة العدل مع شركة «تيثر» ومنصات تداول كبرى مثل «كوين بيس» تم تجميد هذه الأصول.
القضية لم تقتصر على العقاب، بل تهدف أيضاً إلى إعادة الأموال إلى الضحايا، الذين قدر عددهم بالمئات وبلغت خسائرهم ملايين الدولارات.
ومنذ انطلاقتها عام 2017 صعدت «كوكوين» KuCoin لتصبح واحدة من كبرى منصات تداول العملات الرقمية، واستطاعت جذب ملايين المستخدمين وهي تقدم نفسها كمنصة «من أجل الناس».
لكن خلف هذا النجاح المدوي كانت الأرقام تخفي واقعاً مختلفاً، فبين عامي 2017 و2024، استقبلت كوكوين أكثر من 5 مليارات دولار، وأرسلت ما يزيد على 4 مليارات دولار من أموال اعتبرتها السلطات الأمريكية مشبوهة.
ورغم أنها لم تكن مرخصة للعمل في السوق الأمريكية فقد جذبت المنصة نحو 1.5 مليون مستخدم أمريكي نشط. ومن رسوم التداول فقط وفي 27 يناير الماضي وبعد مفاوضات مطولة مع السلطات جاءت التسوية بمجموع بلغ 297 مليون دولار.
ولم يتوقف الأمر عند الغرامات، فقد استبعدت كوكوين من السوق الأمريكي لمدة لا تقل عن عامين، وتخلى مؤسساها، تشون غان وكي تانغ، عن مناصبهما التنفيذية، ودفع كل منهما 2.7 مليون دولار مقابل تأجيل الملاحقة القضائية.
وفي يونيو الماضي أعلنت السلطات الإسبانية — بدعم من يوروبول وقوات الأمن في فرنسا وإستونيا والولايات المتحدة — عن تفكيك شبكة كبيرة للاحتيال بالاستثمار في العملات الرقمية، نفذت عمليات نصب استهدفت أكثر من 5000 ضحية حول العالم.
وتمكنت من جمع نحو 460 مليون يورو، قدمت على أنها فرص استثمارية مربحة عبر منصة وهمية مسجلة في هونغ كونغ. وقد بلغ عدد ضحايا هذه الشبكة العابرة للقارات أكثر من 5000 شخص من أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وحسب تقارير يوروبول تم جمع نحو 645 مليون يورو عبر محافظ عملات رقمية واستخدمت لاحقاً في غسل الأموال.
