ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 16 نوفمبر 2025 11:06 مساءً - كعادتها لا تتوانى الإمارات عن مواكبة الجديد في كل المجالات، حتى صار اسمها يتردد في موقع الصدارة والريادة دائماً، وأطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في مايو الماضي «معهد النماذج الأساسية»، ليضطلع بدوره في تطوير نموذج «كي 2 ثينك»، ويعزز مكانة الدولة في أبحاث الذكاء الاصطناعي عالمياً. «حال الخليج» التقت روضة المريخي، مدير إدارة الشراكات في الجامعة، التي ألقت الضوء أكثر على هذه التجربة.
وجهة عالمية
تقول روضة المريخي: «تقود جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، من خلال معهد النماذج الأساسية، الذي أطلق في مايو 2025، الجهود البحثية في تطوير نموذج «كي 2 ثينك»، بالتعاون مع مجموعة «G42»، وتجمع الشراكة بين البحث الأكاديمي والتطبيق العملي، وبالاستفادة من قدرات الحوسبة الفائقة لشركة «سيريبراس»، وهذا النموذج يمثل إنجازاً نوعياً يعزز مكانة الإمارات وجهة عالمية رائدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، عبر تقديم أول نموذج استدلال - على مستوى العالم - مفتوح المصدر ومتكامل؛ ابتداء من «بيانات التدريب» و«أوزان الترميز» وصولاً إلى الشيفرة البرمجية الخاصة بالنشر والتحسين في أثناء الاختبار».
وأضافت : «يعتمد النموذج على 32 مليار معامل فقط، لكنه يتوّق على نماذج أكبر بـ 20 مرة، فما الذي يجعل هذا العدد الأقل من المعاملات أكثر كفاءة من النماذج الضخمة؟ الإجابة ببساطة هي أنه ليس مجرد نموذج، بل هو نظام كامل للاستدلال. وسر كفاءته يكمن في الجمع بين التخطيط قبل التفكير من ناحية، وتجربة عدة إجابات، واختيار الأفضل من ناحية أخرى، وهذه المنهجية تزيد الدقة وتقصّر الإجابات بنسبة من 10 إلى 20 %، ما يجعل النموذج أكثر سرعة وفاعلية، وبهذا يثبت «كي 2 ثينك» أن الذكاء لا يرتبط بالضخامة، بل بالتصميم الذكي الذي يحقق أداء منافساً لنماذج تفوقه حجماً بعشرات المرات».
أثر اقتصادي
وعن الأثر الاقتصادي لهذا التوفير عند الباحثين والشركات الناشئة في الإمارات والعالم تقول: «هذا يعني تسريع الابتكار في قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، وغيرها عبر تمكين حلول عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وبالتالي يفتح «كي 2 ثينك» المجال أمام مجتمع أوسع من المبتكرين والباحثين، للاستفادة من تقنيات الاستدلال المتقدمة، بما يرسخ بيئة أكثر ديناميكية تدعم التجريب. وإذا كانت معظم النماذج العالمية مثل «تشات جي بي تي» أو «جيميني» مغلقة المصدر فإن «كي 2 ثينك» مفتوح المصدر بالكامل – من بيانات وأوزان وشيفرة، وهذه ميزة جوهرية لا تتوفر في النماذج الكبرى الأخرى، كما يمتاز بكونه أكثر من مجرد نموذج؛ فهو نظام متكامل يجمع بين تقنيات متقدمة مثل التعلم المشرف لسلاسل التفكير الطويلة، والتعلم المعزز بمكافآت قابلة للتحقق، والتوسع في أثناء وقت الاستدلال. إنه ليس مجرد نموذج مفتوح المصدر، بل هو طريقة عمل متكاملة، توفر وصفة شاملة يمكن للباحثين والمختبرات والصناعات البناء عليها، ويمنح المجتمع البحثي والصناعي فرصة فريدة للابتكار والتطوير، ونحن متحمسون لرؤية ما يمكن أن ينجزه المجتمع استناداً إلى هذه المنهجية».
ميزة استراتيجية
وقالت: «مثّل استثمار الإمارات المبكر في نماذج الاستدلال، مقارنة بالمسار الذي تتبعه بعض الدول بالتركيز على النماذج التوليدية، ميزة استراتيجية، إذ يركز على حل المسائل المعقدة بكفاءة وواقعية، وهذا يعزز قدرة الإمارات على تطوير أنظمة متطورة، ويضعها في مقدمة الدول التي تحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً في الابتكارات العملية القابلة للتطبيق».
وأشارت إلى أن قدرة «كي 2 ثينك» على توليد 2000 رمز في الثانية تعني إنجاز مهام كانت تستغرق دقائق في ثوانٍ معدودة، ما يرفع الكفاءة ويختصر الوقت بشكل ملحوظ، وبالرغم من أن «كي 2 ثينك» نموذج (32 مليار معامل) فإنه يقدم أداء منافساً لنماذج أكبر منه بعشرات المرات؛ الأمر الذي يجعله أسهل للنشر وأكثر عملية للاستخدام على نطاق واسع، وهذا التوازن بين الأداء المرتفع والحجم المتوسط يعكس نهجاً اقتصادياً مستداماً، ويعزز من جدوى تبني الذكاء الاصطناعي، ضمن إطار من الشفافية يتيح للباحثين والمجتمع العلمي حول العالم الاستفادة من الأبحاث وتطويرها.
ومن خلال طرح نموذج مفتوح المصدر، عالي الكفاءة، وآمن في ذات الوقت كهذا، تضع الإمارات نفسها في موقع متقدم للمشاركة في صياغة معايير وأطر حوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً، وخصوصاً كونها من أوائل البلاد التي توفر نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر بالكامل، وهي بهذا النموذج ترسل رسالة واضحة للعالم؛ مفادها أنها قادرة على منافسة أكبر المراكز العالمية في الذكاء الاصطناعي، وهو ليس إنجازاً تقنياً فقط، بل دليل على نضج منظومة الابتكار الوطنية، ويترجم الإرث الوطني إلى ابتكار علمي حيّ يخدم الأجيال القادمة، كما يعزز الجمع بين الانفتاح والشفافية والالتزام بالمسؤولية لمكانة الدولة شريكاً استراتيجياً موثوقاً به، ويمنحها صوتاً مؤثراً في النقاشات الدولية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، كما أن إتاحة النموذج للجميع تدعم التعاون الدولي، وتعجل الابتكار.
