ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 17 ديسمبر 2025 10:36 مساءً - في غضون أيام قليلة ظهر ملياردير جديد من شركة رقائق صينية، اتبع مساراً مألوفاً، وهو: التعلم من شركة عملاقة في القطاع، ثم البدء بمشروع منفرداً، والمضي قدماً وسط التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.
قبل خمسة أعوام أنهى تشن ويليانغ مسيرة مهنية، امتدت 14 عاماً، وغادر منصباً تنفيذياً رفيعاً في «أدفانسد مايكرو ديفايسز» (AMD)، ليركز على الشركة الناشئة في مجال الرقائق.
طرحت «ميتا إكس إنتغريتد سيركيتس شنغهاي»، الشركة الناشئة أسهمها في شنغهاي يوم الأربعاء بتقييم 5.9 مليارات دولار، وبعدما قفز السهم بما يصل إلى 569% في أول يوم تداول صعدت قيمة حصة تشن البالغة 55 مليون سهم من 824 مليون دولار إلى نحو 5.4 مليارات دولار، بحسب مؤشر «بلومبرغ» للمليارديرات، ورفضت «ميتا إكس» الإدلاء بتعليق.
مليارديرات جدد في الصين
تتخذ قصة صعود تشن، البالغ 49 عاماً، إلى مصاف المليارديرات مساراً مشابهاً لما حدث مع مؤسس «مور ثريدز تكنولوجي»، تشانغ جيانتشونغ، التنفيذي السابق في «إنفيديا»، والذي قفزت ثروته إلى 4.3 مليارات دولار بعد الطرح العام الأولي لأسهم «مور» في وقت سابق من الشهر.
ويعكس المؤسسان معاً ظهور فئة جديدة من المليارديرات في الصين، بدعم من جهود بكين الرامية إلى بناء سلسلة توريد للرقائق مكتفية ذاتياً، ومع ذلك لا تزال الشركتان عرضة لضغوط جيوسياسية، واستنزاف كبير للسيولة، ومنافسة محلية شديدة، والاعتماد على أجهزة ومعدات بعينها، ما قد يضع هذه المكاسب أمام الاختبار بسرعة.
قال شن منغ، مدير «تشانسون آند كو»، وهو بنك استثمار مقره بكين: «في حرب التكنولوجيا بين الصين والولايات المتحدة تتلقى الشركات العاملة في القطاعات ذات الأولوية لدى بكين دعماً يفوق المستويات المعتادة بفارق كبير، ورغم أن البحث والتطوير مسألة يسهل على المؤسسين ذوي الخبرة في القطاع بالولايات المتحدة التعامل معه فإن الشركات الصينية لا تزال متأخرة بشكل كبير عن كبرى الشركات العالمية، من حيث الأداء على مستوى النظام، والمنظومات، والإنتاج».
شكل استقطاب «ميتا إكس» المكثف لكفاءات هندسية على أعلى مستوى أحد العوامل الرئيسية وراء صعودها السريع، إذ أتاح ذلك لتشن تجاوز منحنى التعلم المعتاد للشركات الناشئة، وكان من بين أوائل من وظفهم كبيرا مسؤولي التكنولوجيا بنغ لي، وهي إحدى أوائل العالمات الصينيات في «أدفانسد مايكرو ديفايسز»، ويانغ جيان.
وعلى غرار «مور» فإن الطرح الأولي لـ«ميتا إكس» جعل العديد من الأشخاص المرتبطين بالشركة أثرياء، فارتفعت ثروتا بنغ ويانغ إلى 374.2 مليون دولار، و369.8 مليون دولار على التوالي.
استقطاب كفاءات التكنولوجيا
درس تشن في جامعة الصين للعلوم الإلكترونية والتكنولوجيا، وأكمل درجة الماجستير في الهندسة في جامعة تسينغهوا، وجذب مجموعة من زملائه السابقين في «أدفانسد مايكرو ديفايسز» يشغلون حالياً مناصب إدارية رئيسية في «ميتا إكس»، ومن بينهم تشن يانغ، وتشو جون، ووانغ دينغ.
وللاحتفاظ بهذه الكفاءات استخدم تشن سلسلة من الشراكات المحدودة قبل الطرح الأولي، فحول عدداً كبيراً من العاملين بقسم الأبحاث والتطوير إلى أثرياء، ففي 2024 وحده، وزعت الشركة على الموظفين 461 مليون يوان (65.5 مليون دولار) في صورة تعويضات قائمة على الأسهم، وفقاً لنشرة الاكتتاب، وذهب الجزء الأكبر منها إلى كبار المديرين.
مع ذلك يملك أكثر من 80% من القوة العاملة، البالغ عددها 870 موظفاً، حصصاً غير مباشرة عبر منصات ملكية الأسهم، وبحسب سعر الطرح فإن حصة لا تتجاوز 0.017% قد تبلغ قيمتها مليون دولار، ليصبح مالكها مليونيراً.
وقالت إيكو وانغ، المديرة الإقليمية في «هايز شنغهاي»، الشركة المتخصصة في التوظيف في قطاع التكنولوجيا: «يكاد يكون هذا السبيل الوحيد لإقناع مرشح مستقر بترك شركة مستقرة». وأضافت أن الكفاءات العليا القادمة من الشركات العالمية الكبرى تتقاضى حزماً مالية من أعلى فئة، ولا تستطيع الشركات الناشئة المنافسة عادة إلا عبر تقديم حوافز أسهم جذابة لتعويض الفارق.
منافسة محتدمة
أدخل الطرح الأولي «ميتا إكس» في سباق محتدم بين شركات «يونيكورن» الرقائق في الصين، التي تتسابق للسيطرة على السوق المحلية، التي تخلت عنها شركات التكنولوجيا الغربية نتيجة قيود التصدير.
وإلى جانب شركات الرقائق الأمريكية العملاقة مثل «إنفيديا» و«أدفانسد مايكرو ديفايسز»، تواجه «ميتا إكس» ساحة تكتظ بالمنافسين المحليين، من بينهم «مور»، و«هواوي تكنولوجيز»، و«هايغون إنفورميشن تكنولوجي»، و«كامبريكون تكنولوجيز».
وقال ماثيو دنغ، مدير الاستشارات في «بي دي إيه تشاينا»: «تعد هواوي، وهايغون، وكامبريكون أكثر نضجاً في المنتجات، والعلاقات مع العملاء».
استنزاف «ميتا إكس» للسيولة
تستنزف «ميتا إكس» السيولة بوتيرة ضارية لتقليص فجوة الأداء على مستوى النظام والإنتاج مع «إنفيديا»، وخلال الفترة من 2022 إلى 2024 أنفقت الشركة أكثر من 2.2 مليار يوان على البحث والتطوير وحده، وبينما تقفز الإيرادات بقوة، إذ بلغت 915 مليون يوان في النصف الأول من 2025، متجاوزة إجمالي العام السابق بالكامل، لا تزال الربحية بعيدة المنال، فقد سجلت الشركة خسارة صافية قدرها 1.41 مليار يوان في 2024.
وتتوقع «ميتا إكس» الوصول إلى نقطة التعادل بلا مكسب أو خسارة بحلول 2026، وهو هدف يعتمد إلى حد كبير على قدرة رقاقتها الرئيسية «سي 500» (C500) بالحفاظ على مكانتها في مواجهة منتجات منافسة، مثل رقائق «أسيند» (Ascend) من «هواوي».
وبعيداً عن البيانات المالية تظهر الشركة نقطة ضعف شائعة بين الشركات الرائدة في إحلال الواردات في الصين، تتمثل في الاعتماد على عدد محدود من المشترين، وضمت قائمة أكبر عملاء «ميتا إكس» في الربع الأول «إتش 3 سي تكنولوجيز»، وهي شركة تابعة لمجموعة مدعومة من بكين، وتعمل بمثابة قناة رئيسية لدخول الرقائق المحلية إلى مراكز البيانات الحكومية.
يمثل التصنيع خطراً آخر، حيث تزاول «ميتا إكس» نشاطها بصفتها شركة رقائق بلا مصانع، فهي تصمم الرقائق، لكنها تعتمد على مسابك الطرف الثالث لإنتاجها، وتظل سلسلة توريد الشركة عرضة للخطر مع تشديد الولايات المتحدة القيود على قدرة الصين على الحصول على التقنية المتقدمة للطباعة على الشرائح.
وورد في نشرة الاكتتاب: «إذا تعرض كبار موردينا إلى ضغوط على الطاقة الإنتاجية أو خضعوا لقيود تجارية فإن قدرتنا على تسليم المنتجات قد تتأثر بشكل جوهري».
