ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 25 ديسمبر 2025 12:06 صباحاً - بعد عام استثنائي دفع أسعار الذهب إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة تتجه الأنظار إلى عام 2026 وسط قناعة متزايدة لدى كبرى البنوك العالمية بأن الزخم الصعودي للمعدن الأصفر لم يستنفد بعد، فالمؤسسات المالية الكبرى، مثل جي بي مورجان، غولدمان ساكس، بنك أف أمريكا وإتش إس بي سي ودويتشه بنك، تشير إلى أن العوامل التي قادت هذا الصعود لم تفقد قوتها بعد، ما يدعم سيناريو بقاء الذهب عند مستويات مرتفعة، مع إمكانية تسجيل موجات صعود إضافية خلال العام المقبل.
ويستند هذا التفاؤل، بحسب البنوك العالمية، إلى مزيج من العوامل النقدية والهيكلية والجيوسياسية، في مقدمتها توجه الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة، وتراجع جاذبية الدولار، إلى جانب استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية والمستثمرين على الذهب أداة لتنويع الاحتياطات والتحوط من المخاطر، كما تلعب المخاوف المتعلقة بالاستدامة المالية في الاقتصادات الكبرى، والتوترات الجيوسياسية العالمية، دوراً إضافياً في تعزيز مكانة الذهب ملاذاً آمناً، ما يدفع البنوك إلى ترجيح سيناريو أسعار مرتفعة في 2026، وإن كانت مصحوبة بتقلبات مرحلية.
الإمارات دبي الوطني
يرى بنك الإمارات دبي الوطني أن المعادن الثمينة كانت الأبرز أداء بين أسواق السلع في عام 2025، فقد ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 4.300 دولارات للأوقية، مسجلة زيادة تفوق 60 % حتى منتصف ديسمبر، في حين قفزت أسعار الفضة بأكثر من 120 % لتتداول فوق 60 دولاراً للأوقية، كما شملت موجة الصعود البلاتين والبلاديوم، اللذين حققا مكاسب تجاوزت 100 %، وقرابة 80 % على التوالي.
وبالنسبة للذهب فإن موجة الارتفاع، التي شهدها خلال السنوات الأخيرة — إذ ارتفعت الأسعار بأكثر من 130 % منذ نهاية عام 2022 — استندت جزئياً إلى عوامل أساسية، فقد كانت البنوك المركزية من كبار مشتري الذهب منذ عام 2022، حيث اشترت في المتوسط نحو 260 طناً من الذهب لكل ربع سنوي منذ الربع الأول من 2022، أي أكثر من ضعف متوسط مشترياتها، خلال السنوات الأربع السابقة.
كما شهد الاستثمار الفردي (التجزئة) مساراً تصاعدياً، مع تزايد الإقبال على صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs)، إلى جانب طلب قوي على السبائك والعملات المعدنية، كما أسهم ضعف الدولار، خلال عام 2025 في دفع الأسعار إلى الأعلى، بالتوازي مع رغبة المستثمرين في المشاركة في موجة الصعود.
تبدو آفاق الذهب في عام 2026 إيجابية مع إمكانية تسجيل مزيد من موجات الصعود، فمن شأن خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي أن يبقي حماسة المستثمرين تجاه الذهب قوية، حتى وإن ظلت أسعار الفائدة الحقيقية مستقرة نسبياً في ظل توقعات استمرار الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، كما أن تراجع الدولار مع شروع الفيدرالي في خفض الفائدة، في وقت تبقي فيه بنوك مركزية أخرى سياساتها دون تغيير أو قد تلمح إلى رفعها لاحقاً، سيشكل محفزاً إضافياً لأسعار الذهب، ومع ذلك، لا يتوقع أن تكون حركة الدولار بنفس الحدة، التي شهدها عام 2025، ما قد يحد من قوة الدفع الصعودية، التي يوفرها للذهب.
وإلى جانب العوامل النقدية فإن القلق المتزايد بشأن الاستدامة المالية في العديد من اقتصادات مجموعة العشرين سيبقي اهتمام المستثمرين موجهاً نحو الذهب بوصفه ملاذاً آمناً نسبياً، كما أن البيئة الجيوسياسية العالمية المتوترة تضيف بدورها مزيداً من الدعم للسيناريو الصعودي للذهب.
يتوقع البنك أن يبلغ متوسط أسعار الذهب نحو 4.500 دولار للأونصة الترويسية في الربع الرابع من عام 2026، أي بزيادة تقارب 10 % مقارنة بمتوسط الأسعار في الربع الرابع من عام 2025، ومع ذلك تحيط بهذه التوقعات مخاطر صعودية وهبوطية ملموسة،
ففي حال أظهر الاقتصاد الأمريكي مؤشرات أكثر وضوحاً على التباطؤ، مثل تدهور سوق العمل، ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أكبر مما هو متوقع، فإن ذلك سيشكل عامل دعم إضافياً لارتفاع أسعار الذهب، في المقابل فإن استقرار السياسات الاقتصادية، واستمرار خفض الفائدة بشكل تدريجي ومنتظم قد يعززان جاذبية عوائد السندات أو أسواق الأسهم، ما قد يسحب جزءاً من الزخم بعيداً عن الذهب.
جي بي مورغان
ووفقاً بنك «جي بي مورغان» سجلت أسعار الذهب مكاسب متواصلة خلال عام 2025، مرتفعة بما يصل إلى 55 %، ومتجاوزة مستوى 4.000 دولار للأوقية للمرة الأولى في شهر أكتوبر، وأسهمت المخاوف التجارية، وتراجع الطلب على الدولار، وازدياد مشتريات البنوك المركزية في تهيئة الظروف المثالية لهذا الارتفاع التاريخي.
وبعد موجة الصعود القوية المدفوعة بالطلب التي شهدها عام 2025 يبرز التساؤل حول آفاق أسعار الذهب في عام 2026 وما بعده.
وقالت ناتاشا كانيفا، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في جي بي مورغان، رغم أن هذا الارتفاع في أسعار الذهب لم يكن — ولن يكون — صعوداً منتظماً فإننا نعتقد أن العوامل التي تقود إعادة تسعير الذهب عند مستويات أعلى لم تستنفد بعد، فالتحول طويل الأمد نحو تنويع الاحتياطيات الرسمية واستثمارات المستثمرين باتجاه الذهب لا يزال مستمراً، ونتوقع أن يدفع الطلب القوي أسعار الذهب نحو 5,000 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2026.
وبصورة عامة تتوقع J.P. Morgan Global Research أن يبلغ متوسط أسعار الذهب نحو 5,055 دولاراً للأوقية بحلول الربع الأخير من عام 2026، على أن تواصل الأسعار ارتفاعها لتقترب من 5.400 دولار للأوقية بنهاية عام 2027.
غولدمان ساكس
بالمقابل يتوقع غولدمان ساكس أن يواصل الذهب مساره الصاعد خلال عام 2026، لكن بوتيرة غير منتظمة، تتخللها تقلبات مرحلية، ووفق توقعات البنك يرجح أن يسجل الذهب أسعاراً تدريجية تبدأ عند 4.230 دولاراً للأوقية، قبل أن يرتفع إلى 4.433 دولاراً ثم 4.628 دولاراً، ليصل إلى نحو 4.815 دولاراً للأوقية في مرحلة لاحقة من العام.
ويعكس هذا المسار رؤية البنك بأن العوامل الداعمة للذهب، وعلى رأسها الطلب الاستثماري ومشتريات البنوك المركزية وتراجع جاذبية الدولار، ستظل حاضرة، مع توقع أن تشهد الأسعار موجات صعود متقطعة بدلاً من ارتفاع منتظم ومتواصل.
بنك أوف أمريكا
يتوقع Bank of America Global Research أن يبلغ متوسط سعر الذهب في عام 2026 نحو 4.400 دولار للأوقية، وقد يرتفع السعر إلى حوالي 5,000 دولار للأوقية في سيناريو التفاؤل مدعوماً بالطلب الاستثماري وضغوط الاقتصاد العالمي.
دويتشه بنك
رفع دويتشه بنك توقعاته لسعر الذهب في عام 2026، مرجحاً أن يبلغ متوسط السعر نحو 4.450 دولاراً للأوقية، مقارنة بتقديرات سابقة كانت أدنى من ذلك.
وأشار البنك إلى أن الذهب قد يتداول خلال العام 2026 ضمن نطاق سعري يتراوح بين 3.950 و4.950 دولاراً للأوقية، مدعوماً باستمرار الطلب القوي من البنوك المركزية واستقرار التدفقات الاستثمارية، إلى جانب دور صناديق المؤشرات المتداولة في دعم السوق.
واعتبر البنك أن العوامل الهيكلية في سوق الذهب لا تزال إيجابية، ما يوفر أساساً متيناً لبقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة خلال العام المقبل.
إتش إس بي سي
وفق مذكرة بحثية لـ HSBC يتوقع البنك أن يواصل الذهب موجة الصعود في عام 2026، مع إمكان وصول السعر إلى نحو 5.000 دولار للأوقية في النصف الأول من العام، وأن يبلغ متوسطه السنوي حوالي 4.600 دولار للأوقية، بسبب الطلب القوي من البنوك المركزية، وزيادة الاستثمار في المعدن كونه أصلاً آمناً.
