حال المال والاقتصاد

بعد عام على خطتها الكبرى للذكاء الاصطناعي.. هل نجحت المملكة المتحدة في تطوير بنيتها التحتية؟

بعد عام على خطتها الكبرى للذكاء الاصطناعي.. هل نجحت المملكة المتحدة في تطوير بنيتها التحتية؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 27 ديسمبر 2025 08:21 مساءً - بعد مرور عام على إعلان المملكة المتحدة خطتها الوطنية الشاملة للذكاء الاصطناعي، يبرز تساؤل محوري حول مدى نجاح البلاد في بناء البنية التحتية اللازمة لتحقيق طموحاتها المعلنة في هذا القطاع الحيوي. وكانت الحكومة البريطانية قد كشفت عن استراتيجيتها في يناير، حيث وصفها رئيس الوزراء، كير ستارمر، حينها، بأنها خطوة تهدف إلى تحويل بريطانيا إلى «قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي».

ويرى أصحاب المصلحة في قطاع التكنولوجيا، أن التزامات شركات التكنولوجيا الكبرى بالاستثمار في البنية التحتية اللازمة لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب السياسات الحكومية الداعمة لإنشاء مراكز البيانات، تمثل مؤشرات إيجابية على التقدم. في المقابل، يحذر نقاد من أن ارتفاع تكاليف الطاقة، والتأخير في ربط المشاريع بالشبكة الوطنية للكهرباء، يشكلان عقبات جوهرية قد تعرقل هذا المسار.

عند إعلان «خطة عمل فرص الذكاء الاصطناعي» في يناير، أكدت الحكومة أن أحد أعمدتها الرئيسة، يتمثل في التوسع السريع لمراكز البيانات القادرة على توفير المتطلبات الحاسوبية الهائلة التي يحتاجها نشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. ولتحقيق ذلك، تم إطلاق مبادرة «مناطق نمو الذكاء الاصطناعي»، وهي مناطق مخصصة تتمتع بتسهيلات في تراخيص التخطيط، وتحسين الوصول إلى الطاقة.

وقد خُصصت مليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة، مع الإعلان عن أربع مناطق نمو حتى الآن، إلى جانب بروز شركات ناشئة محلية، مثل شركة «إن سكيل» (Nscale)، كلاعبين رئيسين في هذا القطاع.

قيود الطاقة وفجوة التنفيذ

على الرغم من هذه الخطوات، يشير منتقدون إلى أن القيود الشديدة على الوصول إلى الطاقة عبر الشبكة الوطنية، وبطء وتيرة التوسع، تمثل دليلاً على أن المملكة المتحدة معرضة لخطر التخلف عن منافسيها العالميين في سباق الذكاء الاصطناعي.

وقال بن بريتشارد الرئيس التنفيذي لشركة «إيه في كيه» (AVK) لتوريد الطاقة لمراكز البيانات، في تصريحات لشبكة «سي إن بي سي»، إن «الطموح لم يتوافق بعد مع التنفيذ». وأضاف أن القيود المرتبطة بتوافر الطاقة، لا سيما اختناقات الشبكة، أدت إلى إبطاء وتيرة التنمية، ما يعني أن المملكة المتحدة لا تنشر بنيتها التحتية بالسرعة الكافية لمجاراة المنافسين العالميين.

تأخيرات في ربط الشبكة الوطنية

لا تزال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة في مراحلها المبكرة. ففي موقع أوكسفوردشير، الذي أُعلن عنه في فبراير، باعتباره أول موقع لمناطق نمو الذكاء الاصطناعي، لم تبدأ أعمال البناء بعد، ولا يزال المشروع قيد الدراسة من قبل شركاء التنفيذ. أما الموقع الآخر في شمال شرقي إنجلترا، الذي أُعلن عنه في سبتمبر، فقد بدأت فيه أعمال تجهيز الأرض، مع توقع انطلاق أعمال البناء الرسمية في أوائل عام 2026.

كما كُشف في نوفمبر عن موقعين إضافيين، أحدهما في شمالي ويلز، والآخر في جنوبيها. ولا يزال الموقع الأول يبحث عن شريك استثماري، فيما أوضحت وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار لشبكة «سي إن بي سي»، أنها تتوقع تأكيد هذا الشريك خلال الأشهر المقبلة. أما الموقع الثاني، فيتكون من عدة مواقع، بعضها قيد التشغيل بالفعل، بينما لا تزال أعمال البناء مستمرة في مواقع أخرى.

طموحات حكومية وتحديات واقعية

أعلنت الحكومة البريطانية في يوليو، أنها تستهدف تطوير مجموعة أساسية من مناطق نمو الذكاء الاصطناعي، قادرة على تلبية ما لا يقل عن 500 ميغاواط من الطلب بحلول عام 2030، مع توسع منطقة واحدة على الأقل، لتتجاوز غيغاواط واحد. غير أن التحدي الأكبر أمام تحقيق هذه الأهداف، بحسب بريتشارد، يتمثل في محدودية قدرة شبكة الكهرباء الوطنية.

وأوضح أن المطورين يواجهون حالياً تأخيرات في ربط الشبكة، تتراوح بين ثماني وعشر سنوات، مشيراً إلى أن حجم طلبات الربط المعلقة، خاصة في محيط لندن، بلغ مستويات غير مسبوقة. وأضاف أن أعباء العمل الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، تزيد بشكل كبير من الطلب على الطاقة، ما يفرض ضغوطاً إضافية على نظام طاقة يعاني أصلاً من الإرهاق.

طلبات مضاربة وضغط على الشبكة

من جهته، قال سبنسر لامب من شركة «كاو داتا» (Kao Data) لشبكة «سي إن بي سي»، إن الدعوة المفتوحة للتقدم بطلبات الانضمام إلى مبادرة مناطق نمو الذكاء الاصطناعي، أدت إلى تدفق طلبات من ملاك أراضٍ تمر عبرها أبراج أو كابلات طاقة، سعياً للحصول على هذا التصنيف. وأوضح أن ذلك أسفر عن إغراق الشبكة الوطنية بطلبات مضاربة، دون فرص واقعية للنجاح.

استثمارات كبرى من عمالقة التكنولوجيا

في محاولة لمعالجة هذه التحديات، اتخذت الهيئة الوطنية لتشغيل نظام الطاقة (نيسو)، وهي الجهة العامة المسؤولة عن إدارة الشبكة الوطنية، خطوات لإصلاح الوضع. فقد أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر، عن خطط لإعطاء الأولوية لمئات المشاريع لتسريع ربطها بالشبكة، مشيرة إلى أن جزءاً كبيراً منها يخص مراكز البيانات.

وفي الوقت نفسه، أعلنت شركات تكنولوجية عالمية كبرى، من بينها مايكروسوفت، وإنفيديا، وجوجل، وأوبن إيه آي، عن استثمارات بمليارات الدولارات في مجال الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة، شملت نشر أحدث الرقائق الإلكترونية، وبناء مراكز بيانات جديدة، وذلك خلال زيارة رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كما أعلنت شركة «إن سكيل» عن صفقات لنشر عشرات الآلاف من رقائق «إنفيديا» في منشأة مخصصة للذكاء الاصطناعي خارج لندن، بحلول أوائل عام 2027.

اختبار السرعة والاستدامة

قال بونيت غوبتا المدير العام لشركة «نت آب» (NetApp)، المتخصصة في البنية التحتية للبيانات في المملكة المتحدة وإيرلندا، إن استثمارات القطاع الخاص وضعت أسساً مهمة، إلا أن «الاختبار الحقيقي» يتمثل في سرعة تحويل هذه الخطط إلى قدرات حاسوبية قابلة للاستخدام من قبل المؤسسات البريطانية.

من جانبه، شدد ستيوارت أبوت المدير الإداري لشركة «فاست داتا» (VAST Data)، على أن النجاح طويل الأمد، يتطلب الاستثمار في المنظومة الكاملة، بما يشمل شبكات نقل البيانات والتخزين والطاقة والأمن والمواهب. وأكد أن التعامل مع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون على غرار التعامل مع البنية التحتية الاقتصادية.

سباق مع الزمن

في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة، التي تُعد الأعلى في أوروبا حالياً، وتقادم شبكة الكهرباء، تبرز حلول بديلة، مثل «الشبكات الصغيرة» المكتفية ذاتياً. ومع ذلك، يتفق الخبراء على أن سرعة التنفيذ ستحدد مصير هذه الطموحات. فبحسب مختصين في القطاع، إذا لم تُحل القضايا الأساسية المتعلقة بالطاقة والتمويل والملكية الفكرية بسرعة، فإن المملكة المتحدة تخاطر بتفويت واحدة من أهم الفرص الاقتصادية في عصر الذكاء الاصطناعي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا