ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 17 يوليو 2025 11:14 مساءً - في زمن تتسارع فيه التحولات، تثبت القيادة الإماراتية قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، انطلاقاً من رؤية واضحة ومسار اتحادي يخطو بخطوات واثقة نحو المستقبل، وفي قلب هذا الحراك المتسارع تتجلى ديناميكية الفكر القيادي في دولة الإمارات.
حيث لا يُنظر إلى الاستقرار كونه حالة ساكنة، بل كونه منظومة متحركة تُدار بوعي عالٍ، واستباقية مستمرة؛ فالرهان على الإنسان، والالتزام بالمستقبل، والانفتاح على العالم، ثلاثية تشكل جوهر الفكر، الذي تقوده اليوم قيادة دولة الإمارات.
ويُعد يوم «عهد الاتحاد» مناسبة، تعبر عن التزام متواصل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، بمواصلة مسيرة التطوير، التي وضعت الإنسان في صلب أولوياتها، وجعلت من الريادة هدفاً استراتيجياً للدولة.
فكر معاصر
ويبرز فكر القيادة الإماراتية المعاصرة بوصفه نهجاً متكاملاً يستجيب لضرورات العصر، دون أن يتخلى عن أولوياته الوطنية، فهو فكر يعتمد على مرونة السياسات، ووضوح التوجهات، ويقوم على بناء دولة قوية بمؤسساتها، واضحة برؤيتها، ومنفتحة بتوازنها على العالم، ومن أبرز ملامح هذا الفكر التركيز على الإنسان باعتباره جوهر المشروع الوطني.
وقد تجسد ذلك عبر برامج تنموية واسعة النطاق، تستهدف التعليم، والصحة، والإسكان، والمهارات المستقبلية، فلم يعد المواطن مجرد متلقٍ للسياسات، بل بات شريكاً في صياغتها ومساهماً في تنفيذها.
وهذا ما يتجسد في المبادرات الحكومية، التي باتت تعكس هذا التوجه من خلال دعم الكفاءات الوطنية، وإطلاق برامج لتأهيل الشباب، وربط التمكين الوظيفي بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل.
مرونة تشريعية
وفي المقابل لم يغفل هذا الفكر أهمية الهوية الوطنية، وتعزيز الوحدة الداخلية، فبالتوازي مع الانفتاح العالمي، الذي تشهده الدولة، حرصت القيادة على تقوية البنية الاتحادية، عبر دعم المؤسسات المركزية، وتحقيق التوازن بين متطلبات كل إمارة والمصلحة الوطنية العليا، ويتجلى ذلك في التنسيق الفعّال بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والمرونة التشريعية، التي تتيح للدولة أن تبقى موحدة في توجهاتها، ومتنوعة في ممارساتها.
حوكمة مرنة
وتمثل التكنولوجيا والابتكار محوراً رئيساً في نهج القيادة الحديثة، إذ لا يُنظر إليهما كونهما مجرد أدوات للتطوير، بل كونهما منظومة متكاملة لإعادة تشكيل الدولة واقتصادها وإدارتها، وقد انعكس هذا التوجه في التحول الرقمي، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وتعزيز أمن البيانات، وإنشاء بيئات حكومية مرنة، وكل ذلك ضمن إطار واضح من الحوكمة الرشيدة والمساءلة المؤسسية.
نهج دبلوماسي
وتؤمن القيادة الإماراتية بأن الريادة لا تكتمل دون حضور عالمي فاعل، ومن هذا المنطلق تحولت دولة الإمارات إلى طرف محوري في المعادلات الإقليمية والدولية، من خلال نهج دبلوماسي، يقوم على الحوار والتعاون والاعتدال، إذ تنطلق الدولة من سياسة خارجية قائمة على بناء الجسور وتعزيز الحوار، وعلى دعم الاستقرار لا التدخل، وبهذه المعادلة جمعت بين العمق الإنساني والواقعية الاستراتيجية، لتصبح شريكاً موثوقاً في محافل صنع القرار العالمي.
هوية متجذرة
وفي الوقت الذي نجح فيه فكر القيادة في تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة حافظت دولة الإمارات على منظومة من القيم والثوابت المجتمعية، وانفتحت على أحدث مفاهيم الإدارة والتنمية والعلاقات الدولية، هذا التوازن مكّن الدولة من اجتذاب طاقات وكفاءات من مختلف الجنسيات، دون أن يُضعف هويتها، بل عزّزها كونها بيئة متعددة الثقافات، قائمة على الاحترام المتبادل والانضباط القانوني.
وتكشف هذه الفلسفة عن قائد يدير هذه الديناميكية نحو أفق أرحب، فرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لا تقتصر على قيادة التحولات الاقتصادية أو الدبلوماسية أو السياسية أو التجارية أو التقنية، بل تمتد إلى بناء فلسفة عميقة، تضع الإنسان في مركز كل تغيير.
إذ يؤمن سموه بأن النجاح الحقيقي يبدأ من الفرد، الذي يتمكن من تطوير ذاته ليصبح شريكاً حقيقياً في بناء مجتمعه. وما يميز فكر سموه هو إدراكه أن التحولات الكبرى يجب أن تكون منطلقة من قيم راسخة، وأن القيادة ليست في القدرة على التوجيه فحسب، بل في تمكين كل فرد من أن يصبح قائداً في مجاله، بحيث يعيد تشكيل بيئته وحياته استناداً إلى وعيه ودوره الفاعل.
وهذه ليست مجرد فكرة نظرية، بل واقع محكوم بصيرورة دائمة، منذ أن قاد المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذا الوطن إلى مسارات يحكمها تاريخ طويل من الجهود الدؤوبة في تمكين عهد جديد لوطن يشرئب نحو الشمس.
استثمار مستدام
أما على الصعيد الاقتصادي فقد تبلور مفهوم «الاقتصاد المرن» في السياسات الوطنية، عبر التنويع الذكي للموارد، وتشجيع ريادة الأعمال، وتوطين الصناعات المتقدمة، وتعزيز الاستثمارات السيادية.
فالمعادلة التي تتبناها القيادة تقوم على تقليل الاعتماد على الطرق الاقتصادية التقليدية، وتوسيع قاعدة النمو من خلال قطاعات مثل التكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والفضاء، والخدمات المالية، والسياحة المستدامة.
وقد ترافقت هذه التحولات الاقتصادية مع نهج واضح في تمكين المرأة، ليس بوصفها ملفاً اجتماعياً بل قضية تنموية أساسية، فالقيادة تؤمن بأن ملف تمكين المرأة هو ركيزة في بناء مجتمع متماسك ومنتج، ولهذا شهدنا حضوراً متنامياً للمرأة الإماراتية في مختلف القطاعات، بما في ذلك مراكز القرار، والمؤسسات السيادية، والمجالات العلمية والبحثية.
في مجال الأمن والاستقرار اعتمدت القيادة الرشيدة نهجاً استباقياً يعالج التحديات قبل أن تتفاقم، فالأمن في دولة الإمارات مرهون بسياسيات واضحة ورصينة، وهو منظومة متكاملة تشمل الأمن السيبراني والغذائي والصحي والمجتمعي، وتدل الاستراتيجيات الوطنية على وعي عميق بطبيعة التهديدات في العالم المعاصر، ووضع خطط واضحة، ما يجعل الدولة في موقع دفاعي متقدم.
استدامة بيئية
ولا يغفل فكر القيادة الرشيدة عن البعد البيئي والاستدامة، فدولة الإمارات وضعت ملف البيئة ضمن أولوياتها الاستراتيجية، انطلاقاً من إدراك أن استدامة الموارد شرط لازدهار الوطن، وقد انعكس ذلك في استضافة الدولة لمؤتمرات مناخية كبرى، وتبني مشروعات الطاقة المتجددة، والتخطيط الحضري القائم على تقليل البصمة الكربونية، وإعادة تدوير الموارد.
ويمتد الفكر القيادي إلى الشأن المعرفي والثقافي، حيث تركز السياسات الثقافية الحديثة على ترسيخ الهوية، وتشجيع الإبداع، وتوسيع نطاق النشر والترجمة، وإنشاء المتاحف والمؤسسات الفكرية، وهو ما يجعل من الثقافة أداة لتعميق الانتماء، وتوسيع الوعي العام.
كما أظهر التعامل مع الأزمات، مثل جائحة كورونا والتقلبات الاقتصادية، مرونة القيادة وقدرتها على إدارة الأزمات بعزم واقتدار، فعندما واجه العالم تحديات كبرى كانت الإمارات من أوائل الدول، التي طبقت سياسات فعّالة، ووفرت الحماية لمجتمعها، واستمرت في تقديم الخدمات دون انقطاع، وقد عُدّ ذلك نموذجاً يُحتذى به في التوازن بين الإجراءات الصحية، والحفاظ على النمو الاقتصادي.
صناعة معرفية
وفي قلب هذا الفكر المستقبلي يبرز التعليم كونه أداة استراتيجية في بناء الإنسان والاقتصاد والمعرفة، فالقيادة الإماراتية تنظر إلى التعليم كونه محركاً أساسياً للتحول الوطني، تعيد من خلاله تشكيل الوعي، ومنح الأجيال أدوات المنافسة لتبوؤ قصب السبق عالمياً.
ومن هذا المنطلق طورت الدولة مناهجها لتواكب المتغيرات، ووسّعت نطاق الشراكات مع أرقى الجامعات العالمية، كما شجعت البحث العلمي والابتكار وربطته باحتياجات التنمية، وهذا التوجه يعكس إيمان القيادة بأن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق إلا بامتلاك ناصية المعرفة.
سياسة خارجية مرنة
وفي موازاة ذلك حرصت قيادتنا الرشيدة على توسيع شبكة العلاقات الدولية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، فقد تبنّت الدولة نموذجاً في الشراكة لا يقوم على الاصطفاف، بل على التفاعل الإيجابي مع مختلف الثقافات والتكتلات الاقتصادية والسياسية.
وهو ما جعل الإمارات لاعباً موثوقاً في قضايا الأمن الغذائي، والطاقة، والمناخ، والتكنولوجيا، والعمل الإنساني، بما يعكس فلسفة السياسة الخارجية الإماراتية في تعزيز السلام والتنمية المستدامة.
سياسات وقائية
ويظل الرابط الأهم في كل ذلك هو الاستقرار الداخلي، الذي تراه القيادة شرطاً مسبقاً لأي طموح خارجي، فالدولة التي تستثمر في أمنها المجتمعي، وتبني جسور الثقة بين مؤسساتها ومواطنيها، تكون أكثر قدرة على توجيه طاقاتها نحو الريادة.
ولهذا تبنّت الإمارات سياسات وقائية تستبق التحديات، وتوازن بين الحريات والضوابط، وتُعلي من سيادة القانون بوصفه ضماناً للاستقرار والعدالة والتنمية المتوازنة، ويعكس هذا النهج المتكامل الذي تنتهجه القيادة الإماراتية، إدراكاً عميقاً بأن المستقبل لا ينتظر، بل يصنع.
وهو فكر لا يقوم على رد الفعل، بل على المبادرة والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وفي هذا الإطار تتجلى تجربة الإمارات نموذجاً إقليمياً فريداً، يجمع بين طموح لا يعرف الكلل، وعمل مؤسسي منضبط، وقيادة تتقدم الصفوف، وتؤمن بأن بناء الدولة مهمة لا تنتهي، بل تتجدد في كل لحظة، ومع كل تحدٍ، وبكل جيل جديد.
وتبقى قيادتنا الرشيدة، في كل مرحلة، على التزامها بمبدأ التطوير المستمر بهوية أصيلة، باعتبار أن النجاح لا يُقاس بما تحقق فقط، بل بقدرة الدولة على مواصلة التقدم بثقة ووضوح في عالم لا يتوقف عن التغير، وهذا ما يجعل من الإمارات نموذجاً مستقبلياً قائماً على التوازن بين القيم والحداثة في آن، بروح الأجداد، وبعهد الاتحاد.
