ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 16 نوفمبر 2025 10:36 مساءً - في قلب مشهد التنوع الإنساني الفريد الذي ترسمه دولة الإمارات العربية المتحدة، تبرز قصة نجاح الجالية الصينية كأيقونة حية للتسامح، وشاهد عميق على قوة التعايش حين يرتكز على أساس متين من بيئة قانونية وتنظيمية داعمة، في تجربة تتجاوز مجرد الإقامة، لتصل إلى حد الاندماج الفاعل والازدهار المتبادل.
وتعد الجالية الصينية، التي يتجاوز قوامها 300,000 مقيم، واحدة من أكبر وأكثر الجاليات الآسيوية حيوية ونشاطا في الدولة، إذ يتوزع أفرادها في مختلف أنحاء الإمارات، ليشكلوا شريانا نابضا في قطاعات إستراتيجية تشمل التجارة، والتعليم، والخدمات اللوجستية المتقدمة، والضيافة، مستثمرين بذكاء ما توفره الدولة من بنية تحتية هي الأكثر تطورا، وبيئة اقتصادية تتميز بمرونة استثنائية.
هذا النجاح ليس وليد صدفة، بل هو نتاج رؤية واضحة تؤكدها شهادات قيادات الجالية، حيث وصف تشنغ فو شيانغ، رئيس غرفة تجارة شانغهاي في الدولة، المشهد الاقتصادي الإماراتي، في حديثه لوكالة أنباء الإمارات "وام"، بأنه بيئة استثمارية مستقرة تتسم بالكفاءة والشفافية ما شجع عددا كبيرا من المستثمرين الصينيين على توسيع أنشطتهم في السوق الإماراتي، خاصة في قطاعات حيوية مثل الضيافة، والتوريد الفندقي، والتجارة الإلكترونية، مؤكدا أن التسهيلات التي تمنحها الدولة في التراخيص، وخدمات المناطق الحرة، والقوانين التجارية المتطورة، تمثل عوامل دعم رئيسية أسهمت في تعزيز حضور الشركات الصينية.
ولا يكتمل الازدهار الاقتصادي دون احتضان اجتماعي، وهو ما تؤكده وي لو شين، مديرة المعهد الصيني للغات الشرق الأوسط، التي أشارت إلى أن السمة الأبرز للمجتمع الإماراتي هي روح الانفتاح واحترام الاختلافات الثقافية، مؤكدة أن التفاعل بين المواطنين والمقيمين يعكس وعيا مجتمعيا بقيمة التنوع.
وكشفت عن أن المعهد يشهد تزايدا في إقبال العائلات الإماراتية على تعلم اللغة الصينية، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في بناء جسور معرفية وثقافية بين الشعبين، مشيرة إلى أن القوانين الواضحة، وسرعة الاستجابة الحكومية، تسهم في خلق بيئة تعليمية مستقرة ومحفزة.
بدوره، أكد تشين تشي شيانغ، الرئيس الفخري لغرفة تجارة فوجيان في الدولة، أن الإمارات تعد من الدول القليلة التي تمكنت من تحقيق توازن حقيقي بين الانفتاح الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، لافتا إلى أنها تمثل نموذجا عالميا في احتضان الثقافات والأديان والأعراق المختلفة ضمن إطار قانوني يحمي الجميع.
وعن تجربته الممتدة لعقدين من الزمن، قال : لمدة 20 عاما عشت تجربة متكاملة في الإمارات، سواء في الجانب المهني أو الاجتماعي، وتميزت بالثقة والاحترام، ومنح الفرص المتساوية للمشاركة الفعالة في المجتمع.
وأكد أن سياسات الحكومة في دعم رواد الأعمال الأجانب، وحماية حقوقهم، وتسهيل مشاركتهم في التنمية المجتمعية، عززت شعور الجاليات بالاستقرار والانتماء، وجعلتهم يعتبرون الإمارات بلدهم الثاني.
وتترجم الإمارات هذا الاحتضان إلى واقع ملموس، إذ تبرز كحاضنة للفعاليات والأنشطة الثقافية الصينية التي تنظمها السفارة والقنصلية العامة لجمهورية الصين الشعبية، بمشاركة واسعة من أفراد الجالية الصينية، ما يعكس حرص الإمارات على توفير بيئة داعمة للاحتفاء بالثقافات المختلفة وتعزيز قيم التعايش والتفاهم المتبادل بين الشعوب.
وتجسد تجربة الجالية الصينية، كما غيرها من الجاليات، مكانة الإمارات كوجهة عالمية للعيش والعمل، تحت مظلة قانون واحد، وقيم إنسانية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، دون تمييز أو استثناء.
ويشكل "يوم التسامح العالمي" الذي يصادف 16 نوفمبر من كل عام، محطة سنوية تسلط من خلالها دولة الإمارات الضوء على تجربتها الرائدة في إدارة التنوع، والتمسك بالاحترام المتبادل كقاعدة للمواطنة المجتمعية، وتُنظم بهذه المناسبة فعاليات ثقافية وتوعوية بمشاركة مختلف الجاليات، بما يعكس انسجاما مجتمعيا نابعا من قناعة راسخة بأن التعدد مصدر قوة وازدهار.
