ابوظبي - ياسر ابراهيم - الاثنين 1 ديسمبر 2025 11:51 مساءً - منذ إعلان اتحادها في الثاني من ديسمبر عام 1971، أصبحت دولة الإمارات وطناً طموحاً ولد على يد الآباء المؤسسين، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، فقد أدركت القيادة الرشيدة منذ اللحظة الأولى أن التنمية والازدهار الاقتصادي لا يمكن أن يزدهرا إلا في بيئة يسيطر عليها الأمن المطلق والاستقرار المجتمعي.
وخلال خمسة عقود، لم يكن ترسيخ «دولة الأمن والأمان» هدفاً مرحلياً بل يعد بعداً وجودياً ومحوراً استراتيجياً في صلب الهوية الوطنية، مما جعل الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى به في التعايش والتسامح، وواحة للاستثمار والعيش الرغيد.
اليوم، تصنف الإمارات باستمرار ضمن الدول الأكثر أماناً على مستوى العالم، وهو إنجاز لم يأتِ بمحض الصدفة، بل هو نتاج تخطيط دقيق، واستثمار هائل في البنية التحتية الأمنية، وتناغم مؤسسي فريد بين مختلف الأجهزة الحكومية.
كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، يتمتع برؤية ثاقبة ربطت بين الأمن الوطني وبين رفاهية المواطن والمقيم، فقد آمن أن الأمن ليس مجرد وجود للشرطة أو غياب للجريمة، بل هو حالة ذهنية وشعور يومي يعيشه الفرد، وعليه.
كان التركيز في السنوات الأولى للاتحاد موجهاً نحو بناء جهاز شرطي ووزارة داخلية حديثة، قادرة على حماية الحدود، وتطبيق القانون، وتعزيز السلم الأهلي.
وكان بناء المؤسسة الأمنية في السبعينيات والثمانينيات عملية متدرجة، تركزت على تفعيل قوانين موحدة، وتدريب كوادر وطنية متخصصة، والاعتماد على أحدث التقنيات المتاحة آنذاك، وقد أسهم هذا الاهتمام المبكر في توحيد الجهود الأمنية على مستوى الإمارات السبع، ما عزز من قوة الردع وكفاءة الاستجابة، وأرسى قاعدة صلبة للانطلاق نحو مفهوم الأمن الشامل.
الأمن الاستباقي
في ظل التطورات العالمية المتسارعة وتحديات العولمة، تحول النهج الأمني في الإمارات من مجرد تطبيق للقانون إلى تبني «استراتيجية الأمن الاستباقي»، يقوم هذا المفهوم الحديث على التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها، وتفهم جذور التحديات الأمنية، والتعامل معها بحكمة واحترافية.
وأدركت الإمارات أن الأمن المستدام هو أمن رقمي بامتياز، فتم الاستثمار بشكل ضخم في أنظمة المراقبة الذكية، وتحليل البيانات الضخمة لفك شيفرة الأنماط الإجرامية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات المراقبة والمكافحة.
وهذا التحول التقني، ممثلاً في غرف العمليات المركزية والمنصات الذكية، مكّن الجهات الأمنية من التعامل الفوري مع أي خرق، وحافظ على مستويات الجريمة في أدنى معدلاتها العالمية.
مكافحة الجريمة
وكون الإمارات مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً، كان لا بد من تعزيز القدرة على مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال والجرائم الاقتصادية العابرة للحدود، كما تم إنشاء وحدات متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، لتأمين البنية التحتية الرقمية الحيوية، وحماية بيانات المؤسسات والأفراد، ما عزز الثقة الدولية في البيئة الاستثمارية للدولة.
بناء الكفاءات الوطنية
لم يقتصر الاستثمار على الآلة، بل كان العنصر البشري هو الأهم، فقد تم تأسيس كليات وأكاديميات شرطية متخصصة تتبنى أرقى المعايير العالمية في التدريب والتأهيل، لضمان أن يكون رجل الأمن الإماراتي مجهزاً ليس فقط بالقوة البدنية، ولكن أيضاً بالمعرفة القانونية والمهارات التكنولوجية والذكاء الاجتماعي اللازم للتعامل مع مجتمع متعدد الثقافات.
الأمن المجتمعي
يعد الأمن المجتمعي في الإمارات ركيزة لا تقل أهمية عن الأمن الجنائي، فنموذج الإمارات الفريد في التعايش الذي يضم 200 جنسية، حيث شكلت التشريعات والقوانين، مثل قانون مكافحة التمييز والكراهية، جدار حماية لضمان العيش المشترك والاحترام المتبادل بين الجميع.
وأصبح التسامح ثقافة مؤسسية وسياسة عامة. وتصدرت مدن إماراتية مؤشرات عالمية لأكثر المدن أماناً، مما يعكس نجاح السياسات الأمنية في تحويل الدولة إلى ملاذ آمن، ومن جهة أخرى أظهرت الإمارات خلال أزمة جائحة كورونا مرونة أمنية ولوجستية عالية.
حيث عملت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع القطاع الصحي لضمان تطبيق الإجراءات الوقائية بوعي والتزام مجتمعي، مما أثبت قدرة الدولة على الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع في أصعب الظروف.
الأمن المستقبلي
في ضوء رؤية «مئوية الإمارات 2071»، يتجه الأمن في الدولة نحو آفاق جديدة. فالهدف هو تحويل الأمن إلى «جودة حياة» تتجاوز غياب الجريمة لتصل إلى الشعور بالطمأنينة الكاملة والجاهزية للمستقبل.
حيث تعمل الاستراتيجيات الحالية على رفع مستوى الجاهزية لمواجهة التهديدات المستقبلية غير التقليدية، مثل التغيرات المناخية، أو الأوبئة، أو التهديدات السيبرانية المعقدة، ودمج مفهوم الأمن الغذائي والمائي ضمن منظومة الأمن القومي الشامل لضمان استدامة الموارد الأساسية.
بالإضافة إلى تعزيز دور الشرطة المجتمعية بالاعتماد على التكنولوجيا للتواصل الفعال مع الجمهور، وتقديم حلول مبتكرة للمشكلات الاجتماعية البسيطة قبل أن تتفاقم. تحرص الجهات الأمنية في دولة الإمارات على ترسيخ حضورها الدولي وتعزيز روابط التعاون مع مختلف دول العالم، انطلاقاً من التزامها الراسخ بمبادئ العدالة ودعم الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وقد انعكس هذا التوجه في نجاح الدولة بتسليم عدد من المطلوبين الدوليين، تأكيداً لإيمانها بأهمية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وفي مقدمتها جرائم غسل الأموال، وحماية الاقتصاد الوطني من انعكاساتها السلبية.
إضافة إلى دعم الجهود العالمية للتصدي لجرائم تعد من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي. وفي هذا الإطار، حققت الإمارات إنجازاً جديداً بفوزها، ممثلة بوزارة الداخلية، برئاسة لجنة الحوكمة الدائمة، إحدى اللجان الرئيسية التابعة للإنتربول، في خطوة تؤكد السمعة الطيبة للدولة والدور المحوري الذي تؤديه في بناء شراكات دولية مؤثرة، إضافة إلى الثقة العميقة بمصداقيتها وبحكمة قيادتها في المجال الأمني الدولي.
وامتدت الإنجازات إلى الساحة الأممية، حيث حصلت الإمارات، عبر وزارة الداخلية، على عضوية لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة للفترة 2026–2029 عن مجموعة دول آسيا والباسفيك.
وتُعد هذه اللجنة، التي تأسست بموجب قرار للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الهيئة المركزية لوضع السياسات الدولية الخاصة بالمخدرات والإشراف على تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات المعنية بمكافحة هذه الآفة.
وقد جاء انتخاب الدولة لعضوية اللجنة في نيويورك تقديراً لدورها الفاعل في تعزيز العمل التكاملي بين دول المنطقة والعالم، واستناداً إلى ما تتمتع به من علاقات طيبة وشراكات راسخة مع الدول الشقيقة والصديقة.
ويواكب هذا الحضور الدولي تميز محلي في مؤشرات الأمن، إذ تتمتع دولة الإمارات بمعدلات جريمة متدنية للغاية تضعها في طليعة الدول الأكثر أماناً.
بفضل جهود التوعية والرقابة وتكامل الأدوار بين المؤسسات الأمنية والمجتمعية والتعليمية، وانخفاض مؤشر الجريمة في دبي بنسبة 42% خلال عام 2023، إضافة إلى تراجع الجرائم المبلغ عنها في الشارقة بنسبة 22% خلال النصف الأول من عام 2025.
وتعكس هذه البيانات نجاح الخطط الأمنية الشاملة، وحملات التوعية التي تعزز اليقظة والمسؤولية المجتمعية، إلى جانب التوسع في المبادرات الذكية والاستجابة السريعة التي أسهمت في الحد من الجرائم المقلقة كالسرقات وتجارة المخدرات، فضلاً عن التصدي للجرائم المستحدثة، خصوصاً الاحتيال الإلكتروني، عبر حملات توعية متخصصة.
وتجسد هذه الإنجازات التكامل الوثيق بين العمل الأمني والمجتمعي، والشراكات الفعالة بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة، بما يعزز مكانة الإمارات كإحدى أكثر الدول أماناً واستقراراً.
أمن مستدام
ولا شك أن مسيرة الإمارات على مدى خمسة عقود في ترسيخ دولة الأمن والأمان هي قصة نجاح عالمية بامتياز، فهي شهادة على أن الاستثمار في الاستقرار والقانون والتكنولوجيا والتعايش هو الأساس الحقيقي لبناء أمة مزدهرة.
واليوم، تقدم الإمارات للعالم نموذجاً حياً يثبت أن الحداثة والنمو الاقتصادي يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب مع الحفاظ على قيم المجتمع وأمانه، لتظل الدولة الوجهة الأكثر أمناً للمواطنين والمقيمين والمستثمرين على حدٍ سواء، وتحقيق وعد القادة بوطن يعيش فيه الجميع بأمان وسلام مطلق.
42 %
انخفاض مؤشر الجريمة في دبي خلال عام 2023
22 %
نسبة تراجع الجرائم المبلّغ عنها في الشارقة خلال النصف الأول
مسيرة ترتكز على رؤية قيادية وتكنولوجيا حديثة لتعزيز استقرار الوطن
تراجع معدلات الجريمة بفضل الخطط الوقائية والمبادرات الأمنية المتقدمة
نجاح الدولة في تسليم عدد من المطلوبين الدوليين والفوز برئاسة لجنة الحوكمة في الإنتربول
