تمكين المرأة في الإمارات.. نموذج تنموي وازن بين الطموح المهني والاستقرار الأسري

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الخميس 28 أغسطس 2025 03:22 مساءً - حققت دولة إنجازات رائدة في ملف تمكين المرأة جعلتها في طليعة الدول إقليمياً وعالمياً في تقارير التنافسية، وهو ما يعكس رؤية القيادة الرشيدة وحرصها على الاستثمار في طاقات المرأة باعتبارها شريكاً أصيلاً في مسيرة التنمية المستدامة، وقد كان لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" الدور الأبرز في ترسيخ مكانة المرأة من خلال رعايتها المستمرة لمبادرات وبرامج التمكين في مختلف المجالات.

Advertisements

منذ تأسيس الدولة عام 1971، تبنت القيادة نهجاً واضحاً يقوم على بناء الإنسان دون تمييز بين رجل وامرأة، باعتباره الثروة الحقيقية للوطن، وانعكس هذا التوجه في وجود بيئة تشريعية داعمة تمثلت في الدستور والقوانين الاتحادية والقرارات الوزارية التي كفلت للمرأة حقوقها في التعليم والعمل والملكية والمشاركة السياسية، كما حرصت الدولة على مراجعة تلك التشريعات باستمرار لضمان مواكبتها للمتغيرات المجتمعية والإقليمية، الأمر الذي وفر بيئة آمنة ومستقرة للمرأة وأسرتها، وساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي ككل.

وكان للاتحاد النسائي العام منذ تأسيسه عام 1975 دوراً محورياً في تذليل العقبات أمام نهوض المرأة، عبر إطلاق مشروعات ومبادرات كان لها أثر واضح في بناء القدرات النسائية، ومن أبرز تلك المبادرات الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة التي أطلقت عام 2002 والتي تم تحديثها في الفترة 2015-2021، ومن ثم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة 2017-2021، والسياسة الوطنية لتمكين المرأة في دولة الإمارات 2023-2030، وصولاً بإطلاق "رؤية أم الإمارات 50:50".

مبادرات نوعية

وشكلت هذه المبادرات إطاراً مرجعياً للمؤسسات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني في تطوير خطط عمل داعمة للمرأة، كما أطلق الاتحاد مبادرات نوعية مثل مشروع إدماج النوع الاجتماعي عام 2006 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتضمن المشروع خطة عمل متكاملة هدفت إلى تعزيز الشراكة بين الاتحاد النسائي العام والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في مجال إدماج قضايا المرأة في العملية التنموية، من خلال الحث على ضرورة الأخذ في عين الاعتبار احتياجات كل من المرأة والرجل لدى الخطط الاستراتيجية للمؤسسات بما يضمن تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء دون تمييز بينهما على أساس الجنس، وبما يكفل مشاركتهما معاً بشكل متساوي في العملية التنموية، وبما لا يتعارض مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية لمجتمع الإمارات العربية المتحدة، وتوج المشروع بإنشاء مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين عام 2015، والذي ساهم في تضييق الفجوة بين الرجل والمرأة في مختلف القطاعات، وصولا إلى تعزيز حضور المرأة في مراكز صنع القرار.

مجالات حيوية

وقد انعكست هذه الجهود في ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في مواقع القيادة وصنع القرار، إذ تشغل حالياً 50% من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، إضافة إلى وجود تسع وزيرات في مجلس الوزراء، ويشرفن على حقائب استراتيجية مثل التعليم، وتنمية المجتمع، والتعاون الدولي، كما برزت المرأة الإماراتية في السلك الدبلوماسي بتمثيل 49.5% من موظفي وزارة الخارجية، ، فضلاً عن توليها مناصب قضائية وإدارية عليا تعكس التزام الدولة بتمكينها على المستويات كافة.

لم يقتصر التمكين على المجال السياسي، بل امتد ليشمل الميدان الاقتصادي، حيث تدير أكثر من 25 ألف سيدة أعمال استثمارات تتجاوز قيمتها 60 مليار درهم داخل الدولة، كما أن نسبة النساء في القطاع الحكومي بلغت 66%، منهن 30% في المناصب القيادية العليا المرتبطة بصنع القرار و 15% في وظائف تخصصية، أما في القطاعات الحيوية، فقد شكلت المرأة الإماراتية 35% من القوى العاملة في الصحة و40 % في التعليم، ونحو 20% في الشؤون الاجتماعية ما يؤكد حضورها الفاعل في مجالات حيوية تسهم في رفاه المجتمع وجودة حياته.

ويمثل التعليم الركيزة الأساسية لنجاح التجربة الإماراتية في تمكين المرأة، فقد حصلت الإماراتيات على مكاسب غير مسبوقة في هذا المجال، حيث التحقت 77% منهن بالتعليم العالي، وشكلن 70% من خريجي الجامعات، كما أن 56% من خريجي تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والابتكار في الجامعات إناث، في حين تبلغ نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة عند الإناث 95.8%، فيما يواصل 95% من خريجات المدارس الثانوية تعليمهن في مؤسسات التعليم العالي مقارنة بنسبة 80% للذكور.

السياسات المرنة

وإلى جانب التعليم، أولت الدولة اهتماماً خاصاً بالقطاع الصحي باعتباره ركيزة أساسية للاستقرار الأسري وجودة الحياة، وقد انعكس ذلك في زيادة عدد المستشفيات والمراكز الصحية واستقطاب الكفاءات الطبية، الأمر الذي رفع من مستوى الخدمات المقدمة للمرأة والأسرة على حد سواء، وساهم في بناء بيئة صحية داعمة لدور المرأة الأسري والمهني.

وتأتي أهمية تمكين المرأة الإماراتية من قدرتها على تحقيق التوازن بين مسؤولياتها المهنية والأسرية، فالدولة لم تنظر إلى تمكين المرأة على أنه خطوة لفصلها عن أسرتها، بل حرصت على إيجاد سياسات ومبادرات تراعي دورها الأساسي في الاستقرار الأسري، ومن هنا جاءت التشريعات المتعلقة بإجازات الأمومة ورعاية الطفل، والسياسات المرنة في بيئة العمل، وبرامج التوعية التي تعزز تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة، حيث ساهم كل ذلك في الحفاظ على النسيج الاجتماعي وجعل المرأة قادرة على التوفيق بين عملها المهني ومسؤولياتها الأسرية دون تعارض.

مراتب متقدمة

وبفضل تدابير الحماية والسياسات الرائدة التي اعتمدتها الدولة تمكنت من تحقيق مراتب متقدمة على المؤشرات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، حيث جاءت هذه الإنجازات تتويجاً لالتزام الدولة بتوفير بيئة داعمة لتمكين المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، مع الحرص على تكافؤ الفرص وضمان الحماية القانونية الشاملة، مما يرسخ مكانة الإمارات كداعم قوي لحقوق المرأة على المستوى العالمي، حيث احتلت دولة الإمارات المرتبة السابعة عالمياً والأولى إقليمياً في التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2024-2023، وحققَت نسبة 82.5 نقطة من أصل 100 في مجال حقوق المرأة لعام 2023، وفقاً للبنك الدولي، مما يمثل ارتفاعاً ملحوظاً عن المتوسط الإقليمي البالغ 53.2 نقطة.

وفي عام 2021، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى على مؤشر المرأة والسلام والأمن وفقاً لتقرير صادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، مما يعكس التزام الدولة بتعزيز دور المرأة في مختلف المجالات وحمايتها في بيئة آمنة وداعمة.

ترسيخ الهوية

تعكس هذه الإنجازات رؤية استراتيجية واضحة تقوم على جعل المرأة الإماراتية عنصراً فاعلاً في التنمية، وقادرة في الوقت ذاته على الحفاظ على استقرار أسرتها وجودة حياتها، فالسياسات المتبعة لم تكتف بتمكين المرأة مهنياً وسياسياً، بل حرصت على تعزيز قدرتها على التكيف مع التحديات الاجتماعية الجديدة، وضمان استمرارية دورها في ترسيخ الهوية الوطنية والقيم الأسرية التي يقوم عليها المجتمع الإماراتي.

وتعتبر اليوم تجربة تمكين المرأة الإماراتية نموذجاً فريداً يوازن بين المشاركة المهنية والالتزامات الأسرية، بما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويحقق جودة الحياة للمجتمع بأسره، وهو ما يجعل من الإمارات واحدة من أبرز الدول التي استطاعت ترجمة قيم المساواة والعدالة إلى واقع ملموس يلمسه كل فرد من أفراد المجتمع، ويعكس التزامها الراسخ ببناء مجتمع متوازن ومستدام يقوده الجميع على قدم المساواة.

أخبار متعلقة :