حال الكويت

الكنيست... 50 عاماً بين صاعقة السادات ووسادة ترامب

  • الكنيست... 50 عاماً بين صاعقة السادات ووسادة ترامب 1/3
  • الكنيست... 50 عاماً بين صاعقة السادات ووسادة ترامب 2/3
  • الكنيست... 50 عاماً بين صاعقة السادات ووسادة ترامب 3/3

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الخميس 16 أكتوبر 2025 09:11 مساءً - خمسون عاماً بين رجلٍ أيقظ الشرق الأوسط، وآخر غطّاه بالحرير الأميركي.

في القاعة نفسها، وعلى المقاعد ذاتها، وقف رجلان يفصل بينهما نصف قرن من التاريخ: أنور السادات عام 1977 ودونالد ترامب عام 2025. اختلفت الوجوه وتبدّلت النوايا، لكن المكان بقي شاهداً على تحوّل الصاعقة إلى وسادة، والجرأة إلى صفقة.

صورة جماعية للطلبة المستضافين

السادات: حين اخترق العدوّ بالكلمة لا بالمدفع

حين صعد السادات منصة الكنيست، لم يكن يلقي خطاباً سياسياً تقليدياً، بل كان يُطلق صاعقة في سماءٍ عربيةٍ مثقلةٍ بالهزائم.

كلماته مزّقت جدار الخوف، ودخلت قاعة العدو باسم السلام لا الاستسلام. كان يتحدث بدماء حرب أكتوبر، وبإيمان أن الكلمة قد تُعيد الأرض كما أعادتها البندقية.

لقد جعل الكنيست ساحةً للمواجهة الفكرية، وواجه العالم منفرداً، مدركاً أن مصر لا تستطيع أن تحيا في اقتصاد حربٍ دائم، ولا أن تبقى رهينةً لهتافات الشعارات. ومنذ تلك اللحظة، تغيّر وجه المنطقة؛ فبعد عامين وُقّعت كامب ديفيد، واستُعيدت سيناء، لكن الثمن كان العزلة والرصاص.

ترامب: وسادة من حرير فوق رماد غزة

بعد خمسين عاماً، صعد دونالد ترامب المنصة نفسها، لكن روحه كانت نقيض السادات.

لم يحمل صاعقة، بل وسادة. جاء لا ليوقظ أحداً، بل ليُسكّن ضجيج الحروب، ويغطي رماد غزة بخطابٍ من حرير الدبلوماسية. تحدّث عن «نهاية الإرهاب» و«السلام الدائم»، لكنه سلام لا يوجع أحداً ولا يغيّر شيئاً.

كان خطابه مخدراً سياسياً، يطمئن المنتصر ولا يُنصف المنكسر. بدا وكأنه يُغلق الباب الذي فتحه السادات، ولكن من الجهة الخطأ.

الأول غيّر التاريخ بالكلمة، والثاني غيّب التاريخ بالكلام.

بين الجسارة والرعاية

السادات كان زعيماً يملك قراره، غامر بخروجه على الإجماع العربي وخاطب عدوه وجهاً لوجه. كان يرى أن 90 في المئة من أوراق الحل بيد أميركا، فاختار أن يذهب إلى واشنطن عبر القدس.

أما ترامب، فكان زعيم القوة العظمى التي تمسك بخيوط اللعبة. لم يكن يعيش صراعاً، بل يديره من موقع الهيمنة، يوزّع أدوار المنتصرين والمهزومين، ويتحدث من فوق الركام عن «سلامٍ مصنوع في واشنطن».

السادات صنع حدثاً، وترامب أدار نتائجه.

اللغة: بين الشعر السياسي والصفقة التجارية

لغة السادات كانت تمسّ القلب: تحدّث عن الأمهات، عن الجنود، عن القدس التي يجب أن تكون مدينة لكل الأديان.

أما لغة ترامب فكانت براغماتية، نرجسية، باردة. لم يتحدث عن فلسطين كقضية إنسانية، بل كملف أمني قابل للإدارة.

السادات خاطب الضمير، وترامب خاطب السوق.

أثر الصاعقة ونعومة الوسادة

خطاب السادات غيّر مجرى التاريخ العربي: أعاد الأرض، وفتح باب السلام، لكنه دفع ثمن جرأته حياته وعزلة بلاده.

أما خطاب ترامب، فلم يغيّر شيئاً سوى تثبيت واقع «الصفقات» بدل «المبادئ»، والسلام كمنتج سياسي أميركي يُباع ويُشترى.

كلاهما تحدث عن السلام، لكن أحدهما قدّمه من موضع التضحية، والآخر من موضع القوة.

الأول سلام الضرورة لإنقاذ أمة، والثاني سلام الهيمنة لتزيين النفوذ.

من الصاعقة إلى الصفقة

خطاب السادات كان طلقةً في ليلٍ صامت، فتح باب التاريخ بكلمة.

أما خطاب ترامب، فكان نوماً ثقيلاً فوق رماد الشرق الأوسط، غارقاً في ترف القوة.

السادات رأى في السلام خلاصاً وكرامة، أما ترامب فرآه صفقةً وورقة نفوذ.

الأول أطلق الصرخة، والثاني باع صداها.

بين الحلم والنوم

لقد كان السادات يبحث عن طريقٍ للخروج من الحرب، بينما كان ترامب يبحث عن طريقةٍ للنوم في حضنها دون أن يتّسخ بالغبار.

السادات خاطب التاريخ بجرأة مَنْ يصنعه، وترامب خاطبه ببرود مَنْ يظن أنه يملكه.

وهكذا، يبقى التاريخ بين رجلٍ حمل صاعقةً أيقظت الشرق، وآخر حمل وسادةً غطّت خرابه.

فهل يكون منصفاً بين دم الزعيم وثراء السمسار؟

بين صرخةٍ أيقظت العالم، وصفقةٍ أنسته معنى الصراخ؟

Advertisements

قد تقرأ أيضا