ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 16 نوفمبر 2025 08:36 مساءً - يمثل ارتباط الدرهم بالدولار الأمريكي إحدى الركائز الهيكلية للاقتصاد الإماراتي منذ عقود، ما يجعل أي تحرك في قيمة الدولار ينعكس تلقائياً على بيئة الأعمال والتجارة والتدفقات الرأسمالية، وفي حال دخول الدولار في موجة هبوط عالمية تتولد مجموعة من الآثار الاقتصادية، التي تميل في معظمها إلى تعزيز النمو داخل الإمارات.
ويفرز تغير قيمة الدولار وانخفاضه النسبي أمام العملات الأخرى، وبمقدمتها اليورو، فرصاً واسعة لتعزيز حركة الصادرات الإماراتية وجاذبية الاستثمار ونشاط القطاعات التجارية المعززة للسيولة المحلية من العملات الأوروبية، وتاريخياً كانت موجات ضعف الدولار تتزامن مع ارتفاع الطلب على الأصول العقارية في دبي.
«حال الخليج» تفتح ملف ارتفاع الدرهم بالدولار الأمريكي، وحدد اقتصاديون مجموعة من الآثار الإيجابية الرئيسية لتراجع قيمة العملة الأمريكية، خصوصاً في القطاعات غير النفطية، التي أصبحت المحرك الأساسي للنمو في السنوات الأخيرة.
وأكد اقتصاديون أن المرحلة المقبلة ليست مدعاة للقلق، بل لإعادة التموضع الاقتصادي الذكي، والاستفادة من التغيرات العالمية مع أهمية العمل على الاستفادة من التحولات لتوجيه السيولة المتوقعة من العملات الأجنبية الأخرى نحو القطاعات الإنتاجية والمشاريع الصغيرة، وبناء اقتصاد متوازن يستفيد من ضعف الدولار بدل أن يتأثر.
الصادرات
تعزيز الإنتاج القدرة التنافسية للصادرات الإماراتية، وبالتالي فإن الطلب على السلع الإماراتية يسهم في تعزيز تنافسية الصادرات الإماراتية في الأسواق العالمية، وهبوط الدولار يعني عملياً هبوط الدرهم أمام سلة واسعة من العملات العالمية، خصوصاً اليورو والجنيه الاسترليني والين. هذا الانخفاض النسبي يرفع القدرة التنافسية للصادرات الإماراتية — الصناعية والخدمية — في الأسواق الخارجية، حيث تصبح المنتجات المقومة بالدرهم أقل كلفة، ويعد ارتفاعاً في الصادرات غير النفطية، وتعزيز مساهمتها في الناتج المحلي، وهو جزء من سياسة التنويع الاقتصادي طويلة المدى، التي تنتهجها الدولة.
تنافسية عالمية
وبسبب موقع الإمارات مركزاً لوجستياً عالمياً فإن انخفاض الدولار يساعد على تعزيز تنافسية الإمارات في التجارة العالمية، عبر تحسين هوامش الربح في عمليات إعادة التصدير، وزيادة نشاط شركات الشحن والخدمات المينائية، وجذب مزيد من الشركات العالمية لإنشاء مقرات إقليمية.
الاستثمار الأجنبي
كما يفرز تراجع الدولار الكثير من الفرص الاستثمارية في القطاعات غير النفطية أمام رؤوس الأموال الأجنبية في ظل تراجع الكلفة، حيث تشهد الدولة تدفقات رأسمالية أقوى، واستثمارات أجنبية أعلى، مع تزامن انخفاض الدولار مع ارتفاع شهية المخاطرة عالمياً، ما يفرز خروج الأموال من الأصول الأمريكية إلى أسواق ناشئة ومتقدمة أخرى.
وباعتبار الإمارات مركزاً مالياً آمناً ومتطوراً تستفيد من هذا التحول عبر زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر (خصوصاً في العقارات والتكنولوجيا)، ارتفاع تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى أسواق الأسهم والسندات الإماراتية، تعزيز مكانة دبي وجهة مالية دولية خصوصاً مع نمو قطاع الأصول الافتراضية وإدارة الثروات، لتشهد الدولة في النهاية ارتفاع السيولة وتنشيط أسواق رأس المال.
السياحة وملحقاتها
سيجد السائح القادم من مناطق ترتفع عملاتها مقابل الدولار مجموعة من العوامل التي تدعم زيارته إلى الإمارات، أولها أن تكلفة السفر أقل، وأسعار الفنادق والمطاعم والتجزئة أكثر جاذبية، وقدرة شرائية أعلى في الدولة، ومع كون السياحة تشكل قوة اقتصاد للدولة فإن أي تحسن في تنافسية الأسعار يترجم مباشرة إلى زيادة الإشغال الفندقي، ارتفاع عائدات شركات الطيران الإماراتية، نمو مبيعات التجزئة والترفيه.
التضخم
ومن الآثار المباشرة أيضاً تخفيف الضغوط التضخمية على الاقتصاد المحلي، فعندما يضعف الدولار يقوى الدرهم نسبياً أمام العملات الرئيسية، التي تستورد منها الإمارات معظم احتياجاتها غير النفطية مثل، السيارات والآلات الأوروبية، والإلكترونيات والسلع الكورية واليابانية، والمواد الغذائية الآتية من آسيا، وبالتالي فإن الأثر المباشر يتمثل في انخفاض تكاليف الواردات، استقرار أسعار السلع الاستهلاكية، تراجع الضغط على ميزانيات الأسر والشركات، ما يدعم السياسة النقدية في الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة.
العملات الأجنبية والتكاليف
يسهم انخفاض الدولار في تحسن ميزانيات الشركات المدينة بعملات أجنبية، حيث تقترض بعض الشركات الإماراتية بعملات غير الدولار الأمريكي، مثل اليورو أو الين. هبوط الدولار يجعل خدمة هذه الديون أقل كلفة عند تحويلها للدرهم، وتدفقات النقد التشغيلي أكثر مرونة، كما أن انخفاض الدولار قد يخفض أسعار السلع المقومة عالمياً بالدولار مثل الذهب والوقود ومواد الإنتاج، ما يخفف تكاليف الشركات الصناعية والتجارية.
الأصول الإماراتية
عندما يضعف الدولار يصبح الاحتفاظ بالودائع أو الأصول الأمريكية أقل جاذبية، لتعيد بذلك إعادة توجيه السيولة نحو الأصول الإماراتية، ما يشجع المستثمرين العالميين على زيادة امتلاك العقارات في الإمارات بصفة عامة، ودبي بصفة خاصة، بالإضافة إلى الاستثمار في الشركات الإماراتية المدرجة، والدخول في شراكات جديدة في القطاعات اللوجستية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وتاريخياً كانت موجات ضعف الدولار تتزامن مع ارتفاع الطلب على الأصول العقارية في دبي.
بوابة فرص
وأكد الخبير المالي والمصرفي أمجد نصر أن تغير قيمة الدولار تصاحبها تغير موازين كثيرة في الاقتصاد العالمي والمحلي، وهو لا يعني أزمة بأكثر من كونه بوابة للكثير من الفرص لمن يقرأ جيداً التحولات، فإنه يدفع الاقتصاد المحلي للاعتماد على الإنتاج المحلي بدل الاستيراد، وهو ما يمنح في المقابل دفعة قوية للصادرات المحلية.
وتابع نصر، إن تغير قيمة الدولار أيضاً يعزز بشكل مباشر أيضاً من جاذبية الأصول الحقيقية، وزيادة حركة رؤوس الأموال نحو مزيد من الاستثمارات في العقارات والذهب، بل إنه أيضاً يعزز جاذبية الأصول الاستثمارية الداخلية لرؤوس الأموال الخارجية من غير مناطق الدولار، كما أنه سيؤدي إلى تحسين ميزان الطلب والعرض في السوق العقاري، ما يتيح فرصة لانخفاض سعر الفائدة في البنوك، وبالتالي تسهيل عملية الاقتراض من قبل العملاء والمستثمرين.
السيولة النقدية
فيما رأى المدير التنفيذي لمؤسسة «أوبيريشنال كوالتي» أحمد الدرمكي أن أهم الآثار الإيجابية لتغير قيمة الدولار هو تأثيره في خفض التضخم الاقتصادي، ويساعد في التوسع للمستثمرين من خلال توفير السيولة النقدية، بالتالي تعزيز السلة المحلية من عملات الاقتصاديات القوية عالمياً، وبالتالي زيادة جاذبية الاستثمار.
كما قال إنه سيؤدي إلى انخفاض قيمة السلع الشرائية ذات التكلفة العالية، ما سيحدث عملية توازن في السوق، ويساعد على كل شرائح المجتمع على التسوق، وتعدد البدائل السعرية في السوق.
وأضاف الدرمكي بإسهام انخفاض قيمة الدولار أيضاً بتقليل الضغوطات على القطاعات الحيوية مثل السياحة والتجارة، ويفسح المجال أمام العملات الأخرى للدخول للسوق المحلي والدولي، من خلال تحفيز السياح ولا سيما من الوجهات الأوروبية.
شراء العقارات
وقال المدير التنفيذي لشركة «ميدالتون أسوسيات»، مسعود العور، إن تغير قيمة الدولار الأمريكي يعد فرصة استثمارية مميزة للمستثمرين العقاريين من منطقة اليورو في عقارات الإمارات، فعندما يرتفع اليورو مقابل الدولار تزداد القوة الشرائية للمستثمرين الأوروبيين، ما يجعل أسعار العقارات أقل نسبياً عند تحويل العملة، بما يتيح المستثمر يستطيع شراء عقارات ذات قيمة أعلى أو مساحات أكبر بنفس المبلغ باليورو.
وأضاف العور: «يتميز السوق المحلي خصوصاً في دبي وأبوظبي ببيئة استثمارية متطورة، تعزز من جاذبيتها العالمية، بفضل الاستقرار السياسي والأمني والبنية التحتية الحديثة، التي تشمل شبكات النقل المتقدمة، والمناطق الاقتصادية الحرة، والمشاريع العقارية الكبرى، التي تلبي مختلف أنماط الطلب، كما أن القوانين التي تسمح بالتملك الحر للأجانب في العديد من المناطق تضيف ثقة إضافية للمستثمرين الأوروبيين الباحثين عن وجهة آمنة ومربحة لتنويع محافظهم الاستثمارية».
إضافة إلى ذلك يعد القطاع العقاري الإماراتي من أكثر القطاعات حيوية في المنطقة، بفضل العوائد الإيجارية المرتفعة مقارنة بالأسواق الأوروبية، فالعائد السنوي من الإيجار في بعض المناطق يمكن أن يتجاوز 6% إلى 8%، وهو معدل يعتبر مغرياً في ظل انخفاض العوائد في أوروبا، والذي يجعل التغري السعري فرصة مواتية سيسعى الكثير من المستثمرين لاقتناصها قبل عودة مستويات الأسعار المرتفعة، كما يتيح ارتفاع الطلب المستمر على السكن الفاخر والمكاتب التجارية فرصاً واعدة لتحقيق أرباح رأسمالية من ارتفاع الأسعار مستقبلاً.
وتابع العور: «إن هذه العوامل مجتمعة تعزز موقع الإمارات إحدى أبرز الوجهات العقارية العالمية، خصوصاً في ظل ما تشهده من توسع في البنية التحتية، وتطور في التشريعات العقارية، واهتمام حكومي دائم بدعم الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم فإن المستثمرين القادمين من منطقة اليورو يجدون في السوق العقاري الإماراتي فرصة نادرة للجمع بين الأمان والاستقرار من جهة، والعائد المالي المجزي من جهة أخرى، مستفيدين من توازن فريد بين قوة العملة الأوروبية وجاذبية السوق المحلية».
