حال المال والاقتصاد

هل يفاجئ «الفيدرالي» الأسواق في اجتماعه الحاسم؟

هل يفاجئ «الفيدرالي» الأسواق في اجتماعه الحاسم؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 7 ديسمبر 2025 02:51 مساءً - تترقب الأسواق اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، وهو الاجتماع الأخير في عام بالغ الحساسية شهد جملة من التطورات المفصلية على صعيد الأسواق والسياسة، وفي ظل بيئة اقتصادية لا تزال مشبعة بعدم اليقين.

في قلب هذا الترقب تتزايد رهانات الأسواق على اتجاه الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة، وهي التوقعات التي تحولت إلى سيناريو رئيسي، تتعامل معه المؤسسات المالية الكبرى وتسعره الأسواق.

ويقدر المتداولون احتمال خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر بنسبة 87.6%، وفقاً لأداة FedWatch التابعة لمجموعة CME، وتتوقع معظم شركات الوساطة العالمية الكبرى أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع المقبل، مع توقع مورغان ستانلي وستاندرد تشارترد تثبيتها، ومن المقرر عقد اجتماع السياسة النقدية المقبل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي يومي 9 و10 ديسمبر، لكن ما بعد القرار لا يقل أهمية عنه، إذ تتجه الأنظار إلى الكلمة المنتظرة لرئيس الفيدرالي جيروم باول، بحثاً عن أي إشارات مستقبلية بشأن مسار السياسة النقدية في الأشهر المقبلة؛ فبين سطور التصريحات ترسم الأسواق توقعاتها، وتبنى السيناريوهات، ويتحدد إلى حد كبير اتجاه المخاطر في المرحلة القادمة.

ورغم غلبة سيناريوهات الخفض المتوقع تبقى الأسواق أسيرة سؤال جوهري: هل يحمل اجتماع ديسمبر أي مفاجآت غير محسوبة؟ فالتجارب السابقة أثبتت أن الفيدرالي، حتى في أكثر الأوقات شفافية، قادر على قلب الطاولة بعبارة واحدة أو تعديل طفيف في نبرة حال الخليج،

وبين من يراهن على استقرار المسار ومن يتحسب لاحتمالات الخروج عن الإجماع تبقى درجة التوتر مرتفعة، ويظل هامش المفاجأة حاضراً ولو بنسبة محدودة.

البنوك العالمية

وتتوقع البنوك العالمية الكبرى، بالإجماع تقريباً، أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل.

وقال بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش إنه يتوقع الآن أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه في ديسمبر، مشيراً إلى ضعف ظروف سوق العمل وتعليقات حديثة من صناع السياسات تلمح إلى خفض مبكر، وكان البنك يتوقع سابقاً بقاء تكاليف الاقتراض دون تغيير في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر، وتتوقع الآن خفضين إضافيين بمقدار ربع نقطة مئوية في عام 2026، في يونيو ويوليو، ليصل سعر الفائدة النهائي إلى 3.00%-3.25%، فيما تشير توقعات جي بي مورغان إلى خفض إضافي في شهر يناير المقبل، يليه تخفيض آخر في عام 2026.

وعدل مورغان ستانلي توقعاته ليتوقع خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، يليه تخفيضات إضافية في أوائل عام 2026، مع توقع تخفيضين آخرين في أبريل ويوليو 2026،

فيما يتوقع بنك جوجنهايم أن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة في ديسمبر ثم مرة أخرى في عام 2026 مع تباطؤ الاقتصاد، وأكد دويتشه بنك أنه يتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة في الاجتماع الأخير للعام 2025.

لا مفاجآت

من لندن، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم، طارق الرفاعي لـ«حال الخليج»، إن الفيدرالي الأمريكي «نادراً ما يفاجئ الأسواق بقراراته»، إذ اعتاد دائماً على التمهيد لتحركاته من خلال التصريحات والبيانات المسبقة، مضيفاً: «الاجتماع المقبل سيشهد، وبشكل شبه مؤكد، خفضاً في سعر الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس، وهو ما سبق أن أشار إليه الفيدرالي في اجتماعه السابق، كما عاد وكرره في تصريحات لاحقة تؤكد احتمالية تنفيذ خفض إضافي قبل نهاية العام».

ويتابع: «عنصر المفاجأة في سياسات الفيدرالي بات محدوداً للغاية، حيث تظهر المفاجآت نادراً، وعند حدوثها نشهد تقلبات واضحة في أسواق المال نتيجة غياب الوضوح في السياسة النقدية»، مشيراً إلى أن أسواق المال والمستثمرين بطبيعتهم يبحثون دائماً عن الشفافية والوضوح، ولذلك لا يتوقع أن يفاجئ الفيدرالي الأسواق في الاجتماع المقبل.

وسجل معدل التضخم الأساسي في الولايات المتحدة 2.8% خلال سبتمبر، وهو أدنى من التوقعات السنوية، وذلك في قراءة متأخرة صادرة يوم الجمعة، بسبب تداعيات الإغلاق الحكومي الأمريكي السابق.

وتظهر بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.2%، فيما بلغت قراءة المؤشر العام 0.3%، متماشية إلى حد كبير مع توقعات الأسواق.

المفاجآت واردة!

وفيما تدعم تلك البيانات توقعات خفض الفائدة، لا يستبعد المدير التنفيذي لشركة V I Markets، الدكتور أحمد معطي، بشكل حاسم إمكانية أن يفاجئ الفيدرالي الأسواق، مضيفاً لـ«حال الخليج»: «كل شيء وارد في هذه الفترة، السبب في ذلك هو أن المسألة لم تعد مرتبطة فقط بالبيانات الاقتصادية، بل أصبحت تحمل طابعاً سياسياً واضحاً وضغطاً نفسياً بين رئيس الفيدرالي الأمريكي والرئيس ترامب، وكذلك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي».

ويشير إلى أن الانقسامات داخل الفيدرالي الأمريكي نفسه بين الأعضاء تؤكد وجود بعد سياسي في القرارات الأخيرة أكثر من كونه اقتصادياً بحتاً، مضيفاً: «إذا تحدثنا من ناحية البيانات الاقتصادية فقط فالوضع واضح: هناك تراجع في التوظيف ومشكلات في الإنفاق الشخصي، وفقاً لآخر البيانات الصادرة يوم الجمعة الماضية، كما أن مؤشر التضخم المفضل لدى الفيدرالي تباطأ إلى 2.8% بعد أن كان 2.9%».

هذه المؤشرات مجتمعة - وفق معطي- تدفع منطقياً نحو خفض الفائدة في الاجتماع المقبل، حتى وإن كان بنسبة طفيفة قدرها 25 نقطة أساس، ويتابع موضحاً أن توقعات السوق تشير بالفعل إلى احتمال بنسبة 86% لخفض الفائدة بمقدار ربع نقطة أساس، لكنه في الوقت نفسه لا يستبعد المفاجأة، إذ قد يخرج الفيدرالي ببيان يوضح فيه - كما حدث سابقاً- أنه اضطر لتثبيت الفائدة، بسبب تأثير الرسوم الجمركية أو الإغلاق الحكومي الأخير على دقة البيانات الاقتصادية.

وتظهر أداة «CME FedWatch» وجود احتمال بنسبة 86.2% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.

وتزداد أهمية اجتماع هذا الأسبوع كونه يأتي في توقيت بالغ الدقة بالنسبة للأسواق العالمية، التي تواجه تداخلات معقدة بين تباطؤ بعض مؤشرات النمو، واستمرار الضغوط على سلاسل الإمداد، وتوترات جيوسياسية تضغط بدورها على توقعات التضخم والطاقة.

وفي الوقت ذاته تراقب المؤسسات الاستثمارية اتجاه السياسة النقدية الأمريكية باعتباره بوصلة رئيسية لإعادة توزيع المحافظ الاستثمارية خلال الربع الأول من العام المقبل، فخفض الفائدة - إن تم - قد يفتح شهية المخاطرة تدريجياً أمام الأسهم والتكنولوجيا والأسواق الناشئة، بينما قد يعيد تثبيت الفائدة رسم أولويات أكثر تحفظاً، تميل إلى السندات والدولار، ما يعكس حساسية المرحلة المقبلة لأي تحول في لغة الفيدرالي أو نبرة رسائله للأسواق.

البيانات تدعم الخفض

إلى ذلك يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق لـ«حال الخليج»: «إن التوقعات السائدة في الأسواق تقترب من 90% لجهة قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة أساس خلال اجتماعه المرتقب يوم الأربعاء، موضحاً أن البيانات الأخيرة لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المؤشر المفضل لدى الفيدرالي، جاءت داعمة لهذا التوجه».

ويضيف: «الأنظار بعد هذا القرار ستتجه إلى ما يعرف بـمخطط النقاط، إضافة إلى تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، لما لها من أهمية كبرى في رسم ملامح السياسة النقدية للأشهر المقبلة»، مشيراً إلى أن «الأسواق تترقب كذلك ما إذا كان اجتماع الفيدرالي سيشهد حالة من الإجماع أم الانقسام بين أعضائه، وهو ما سيعطي إشارات واضحة حول اتجاه الاجتماعات المقبلة».

يؤكد يرق أن الأسواق قامت فعلياً بتسعير خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، محذراً من أنه في حال حدوث مفاجأة بعدم تنفيذ هذا الخفض، فقد تشهد الأسهم الأمريكية موجة بيع عنيفة، وهو ما قد ينعكس سلباً على أداء الأسواق قبل موسم أعياد نهاية العام وبداية السنة الجديدة، ويثير مخاوف على المدى القصير.

Advertisements

قد تقرأ أيضا