حال الإمارات

التكنولوجيا بوابة أصحاب الهمم نحو الاعتماد على الذات

التكنولوجيا بوابة أصحاب الهمم نحو الاعتماد على الذات

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأحد 19 أكتوبر 2025 12:06 صباحاً - تحقيق - مرفت عبدالحميد وجميلة إسماعيل

أضحت التكنولوجيا شريكاً رئيسياً في تفاصيل الحياة اليومية، حيث تحولت التقنيات الحديثة إلى جسر حقيقي نحو تمكين أصحاب الهمم، مانحة إياهم القدرة على تجاوز التحديات وتحقيق قدر أكبر من الاعتماد على الذات والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

من الأجهزة الذكية إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن المنازل الذكية إلى الروبوتات المساعدة، باتت التكنولوجيا اليوم لغة جديدة للدمج الإنساني، تعيد تعريف مفاهيم الاستقلالية والكرامة والمساواة لهذه الفئة الغالية على قلوبنا.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون شكلاً من أشكال الإعاقة، فيما يحتاج نحو 2.5 مليار فرد إلى منتج أو وسيلة مساعدة على الأقل، ومع التطور التقني الهائل في السنوات الأخيرة، بات الوصول إلى هذه الحلول أكثر تنوعاً وسرعة، لكنه لا يزال تحدياً من حيث الكلفة والتوفر.

يرى خبراء أن التقنيات الحديثة، خصوصاً تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء تمثل «ثورة صامتة» في حياة أصحاب الهمم، إذ لم تعد الأجهزة تقتصر على تعويض النقص الجسدي، بل أصبحت وسيلة لتوسيع القدرات وتحسين جودة الحياة.

وقالوا لـ«حال الخليج» إن الرهان القادم، هو الانتقال من الرعاية إلى التمكين، ومن المساعدة إلى الاستقلالية، عبر أدوات تكنولوجية تصنع الفارق وتفتح نوافذ أمل جديدة في حياة ملايين البشر.

مبادرات متكاملة

وأكد الخبراء والمختصون أن من الدول الرائدة في دمج التقنيات الحديثة ضمن منظومة دعم وتمكين أصحاب الهمم، حيث أطلقت جهات حكومية وخاصة معنية مبادرات رقمية متكاملة، أبرزها «بطاقة سند» الرقمية، والمنصات الذكية لتوظيف وتمكين أصحاب الهمم، إضافة إلى تطوير خدمات حكومية رقمية تراعي معايير الوصول للعالمية.

ويشكل معرض إكسبو أصحاب الهمم الدولي الذي تنظمه دبي سنوياً أكبر منصة إقليمية تستعرض ابتكارات تخدم هذه الفئة، من الأطراف الصناعية الذكية إلى الحلول التعليمية الرقمية، ما يعكس التزام الدولة بتحويل شعار «مجتمع شامل للجميع» إلى واقع ملموس.

دعم فوري

وقال فيتالي ميخالشوك، الرئيس التنفيذي لشركة الخليج لتقنيات معلومات أصحاب الهمم، إن الشركة طورت جهازاً ذكياً، مزوداً ببرنامج مدمج يربط المستخدمين فوراً بمترجمي لغة الإشارة المحترفين عبر مكالمة فيديو مباشرة، ويغني هذا الجهاز عن الحاجة إلى مترجمين فوريين في الموقع، موفراً دعماً فورياً للتواصل في أي مكان.

وأشار إلى أن مثل هذه الأجهزة تفيد في مناطق الاستقبال، ومكاتب الاستعلامات، ونقاط خدمة العملاء في الجهات والمستشفيات ومراكز النقل ومتاجر التجزئة والفنادق، لمساعدة أصحاب الهمم من الصم، ومنحهم الاستقلالية، والاعتماد على النفس ويساعد المؤسسات على استيفاء معايير إمكانية الوصول العالمية.

حلول مبتكرة

وقال عمار ترك، المدير العام لشركة «جيلاني موبيليتي»، إن الشركة طورت سيارة توفر حلولاً مبتكرة وتلائم احتياجات أصحاب الهمم، وتعكف على تعديل نظام القيادة ليكون أكثر سهولة، من خلال تركيب مقود خاص ونظام تحكم متقدم يمكن أصحاب الهمم من القيادة بكل راحة وأمان، فضلاً عن تعديل المقعد ليكون قابلاً للتعديل بشكل يناسب مختلف الاحتياجات، مع إضافة تقنيات مساعدة.

أما الدكتور ألكسندر ماشادو أخصائي طب النفس العصبي الإكلينيكي في دبي فقال: يشهد تشخيص وعلاج اضطرابات النمو العصبي، مثل اضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تحولاً جذرياً بفضل التقنيات المتقدمة التي تستهدف الآليات العصبية الكامنة، وإن التقنيات الحديثة مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة تساعد على استكشاف وتنظيم نشاط القشرة الدماغية، من خلال بروتوكولات مصممة خصيصاً لمعالجة فرط الاستثارة في التوحد، أو قصور وظائف الفص الجبهي في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مع التخفيف من فرط اليقظة المصاحب للقلق، كما يعزز تخطيط كهرباء الدماغ الوظيفي ويحدد مؤشرات حيوية كهروفيزيولوجية، مثل اضطراب الساعة البيولوجية أو اضطراب النظم اليوماوي، في اضطراب طيف التوحد أو ارتفاع نسبة ثيتا/بيتا في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وأضاف أن توجيه التطبيق الفعال لهذه التقنيات يتم من خلال علم النفس العصبي، وهو الفرع الذي يحول البيانات الفيزيولوجية العصبية الخام إلى فهم للأداء اليومي، ويعد التقييم النفسي العصبي أساسياً لتحديد النمط المعرفي.

أهداف سامية

وتقول منى عبدالكريم اليافعي، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية: تحرص المدينة على تسخير تقنيات وتطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي مع عدد من الحالات التي تحتضنها المدينة كالتوحد، والإعاقة الذهنية، مشيرة إلى جهود المدينة في تعزيز الإبداع التكنولوجي بين الطلاب أصحاب الهمم، وتشجيعهم على اكتساب مهارات البرمجة وتصميم الروبوتات.

وأكدت أن المدينة حققت نجاحات عديدة في المسابقات الوطنية للروبوت والذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الماضية، ما أدى إلى حصولها على جوائز وشهادات تقدير تعكس مستوى الابتكار والتميز الذي تسعى إليه في هذا المجال.

وأوضحت أن التقنيات الذكية تسهم بشكل كبير في تسريع الجهود لدمج أصحاب الهمم، كما تسهم أيضاً في فتح آفاق جديدة لتحقيق المزيد من الإنجازات في هذا المجال الحيوي من خلال توفير فرص أكبر للمعاقين للتطور والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعات أكثر شمولية واستدامة.

تقنيات داعمة

وشدد عادل عبدالله الزمر، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمعاقين بصرياً، على أهمية توفير الجهات المعنية لتكنولوجيا مساعدة لأصحاب الهمم، لاسيما فئة المعاقين بصرياً، والاعتماد على أحدث الابتكارات في مجال الروبوتيات والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الذكية الداعمة لأصحاب الهمم، والقادرة على التأثير بشكل كبير في نمط حياة أصحاب الهمم، من أجل تعزيز الاستقلالية والاعتماد على النفس.

وأشار إلى ضرورة التوعية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وأحدث خصائص التكنولوجيا التي تستهدف المعاقين بصرياً، وكيفية استخدامها ودورها في تسهيل حياة الجميع ومن بينهم ذوو الإعاقة ودعم التعليم وتوفير الفرص للتعاون المشترك مع المؤسسات والشركات التي تعنى بمجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن هناك تحديات تواجه استخدام والاعتماد على التكنولوجيا لأصحاب الهمم أبرزها التدريب على هذه التقنيات وارتفاع تكلفتها، داعياً إلى تضافر الجهود للتغلب على هذه التحديات.

وأكد عدد من أصحاب الهمم على أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات ذكية، بل «مفتاح كرامة» يفتح أمام ذوي الإعاقة أبواب الحياة الطبيعية، ويجعل المجتمع أكثر إنصافاً وشمولاً.

وقال الناشط الاجتماعي أحد أصحاب الهمم محمد الغفلي، الذي يعاني من إعاقة بصرية، إنه لا بد من الإشارة إلى الدور المتزايد لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحسين حياة أصحاب الهمم، وذلك من خلال توظيف الحلول الذكية والتقنيات المتقدمة، من أجل تعزيز جودة حياتهم وتوفير المزيد من الأمان والراحة لهم، مثل استخدام العصا البيضاء للمعاقين بصرياً بما يسهم في خلق بيئة تدعم التنقل المستقل، سواء عبر أنظمة الإرشاد الصوتي الذكي أو الخرائط المتقدمة.

وأضاف أن هذا يستدعي تدريبهم على استخدام الذكاء الاصطناعي والتعرف على المعالم والتضاريس المختلفة مثل الأرصفة والعشب والعوائق أو التحديات التي تتراوح من السيارات والدراجات إلى لافتات الطرق والفروع المنخفضة المعلقة.

وأكد أن الاعتماد على الحلول التقنية يعكس التزام الإمارات المستمر ببناء مجتمع يحتضن الجميع ويسمح لكل فرد بأن يعيش حياة مستقلة وكريمة، ويخلق منها نموذجاً متقدماً للتنمية الاجتماعية القائمة على الابتكار، وتحقيق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في تعزيز قيم العدالة والمساواة، وحق الجميع في حياة كريمة.

وقالت سالمة حمد التميمي، أمين سر جمعية الإمارات للصم، ومدرب معتمد في لغة الإشارة، إن التكنولوجيا الخاصة بأصحاب الهمم لاسيما من ذوي الإعاقة السمعية، تسهم في معالجة مشاكل الدقة من المعاني المختلفة التي يمكن أن تنشأ بناء على الاختلافات الدقيقة لغة الإشارة وتحديداً في شكل اليد، والعلاقة بين موضع اليدين والجسم، فيما طالبت مريم حاجي البلوشي بتغطية تكاليف بعض الأدوات التي تعزز مهارات العيش المستقل والاعتماد على الذات عوضاً عن الاعتماد على الآخرين، من خلال إدراجها ضمن التأمين الصحي، أو حتى إسنادها إلى جهة مختصة تدعم وصولها لأصحاب الهمم بتكاليف رمزية أو في متناول أيديهم حتى يتمكنوا من تأدية دورهم الفاعل في المجتمع، وأن يشاركوا كونهم أفراداً فاعلين في تنمية نهضة المجتمع بدلاً من أن يكونوا عالة عليه.

وأضافت أن الدمج الحقيقي لفئة أصحاب الهمم في المجتمع يعني تزويدهم بالأدوات اللازمة، بما يتفق مع السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، وتحقيق المشاركة الفاعلة والفرص المتكافئة في مجتمع دامج، يضمن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، مطالباً في الوقت ذاته بضرورة أن يشمل التأمين الصحي تغطية تكاليف العصا البيضاء أو تصليحها، وعدم إدراجها تحت بند التكنولوجيا كما هو معمول به حالياً.

Advertisements

قد تقرأ أيضا