ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 27 ديسمبر 2025 11:36 مساءً - مرفت عبدالحميد وجميلة إسماعيل
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه اللغة العربية نتيجة هيمنة اللغات الأجنبية، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها واحدة من أكثر الدول العربية التزاماً بحماية لغتها الأم وتعزيز حضورها في مؤسسات الدولة، وفضائها الرقمي، وثقافتها العامة.
وأكد خبراء أن دولة الإمارات لم تكتفِ بحماية اللغة العربية داخل حدودها فحسب، بل عملت على تأهيلها لتكون لغة عالمية، عبر خمس ركائز أساسية تشمل: دعم الترجمة والنشر، وتنظيم المؤتمرات الدولية المتخصصة في شؤون اللغة العربية، والاستثمار في التكنولوجيا اللغوية، وتشجيع الأدباء والشعراء والشباب على الإنتاج الإبداعي باللغة العربية، إضافة إلى دعم القراءة في المدارس والمتاحف والمراكز الثقافية. وأسهمت هذه الجهود في ترسيخ مكانة الإمارات مركزاً رئيساً لإحياء اللغة العربية وتطويرها لتواكب عصر الذكاء الاصطناعي.
رؤية استراتيجية
ويرى الخبراء أن هذا التميز لم يأتِ مصادفة، بل هو نتاج رؤية استراتيجية ومشاريع نوعية أكدت أن مستقبل اللغة العربية يبدأ من الإمارات. فقد تبنّت القيادة الرشيدة منذ سنوات مشروعاً متكاملاً لحماية الهوية واللغة، يقوم على رؤية سياسية واضحة، ومؤسسات راسخة، ومناهج تعليمية حديثة، واستثمار فعّال في التكنولوجيا، واحترام عميق للهوية الثقافية، ما وضع الدولة في مقدمة المدافعين عن اللغة العربية.
ويؤكد الدكتور محمد أحمد عبدالرحمن، مدير جامعة الوصل في دبي، أن السياسات اللغوية في الإمارات ليست إجراءات شكلية، بل رؤية متجذرة تنظر إلى اللغة بوصفها جزءاً من الأمن الثقافي للدولة. ويشير إلى أن إصدار التشريعات الملزمة باستخدام العربية في المؤسسات الحكومية، وتعريب المصطلحات العلمية، ودعم الإعلام العربي، كلها مسارات تؤكد تعامل الدولة مع اللغة باعتبارها قضية استراتيجية.
من جانبها، توضح الدكتورة لطيفة الحمادي، الأستاذ المشارك في جامعة الوصل بدبي، أن تفوق الإمارات يعود إلى بنائها منظومة مؤسسية متكاملة، من أبرزها مجلس الإمارات للغة العربية، ومركز محمد بن راشد للغة العربية، وجائزة محمد بن راشد للغة العربية، إلى جانب دور مؤسسة دبي للمستقبل ومشاريع المحتوى العربي الذكي.
وتؤكد أن الإمارات أدركت مبكراً أن اللغة التي لا تحضر رقمياً مآلها الانكماش، مشيرة إلى أن الدولة قادت واحدة من أكبر الحركات العربية لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت، من خلال إطلاق مشاريع الترجمة الآلية، وتطوير الروبوتات اللغوية، وتعميم الخدمات الحكومية باللغة العربية، ودعم شركات التكنولوجيا لتقديم حلول رقمية تخدم المستخدم العربي.
تعليم حديث
بدوره، يشير الدكتور سيف النيادي، الأستاذ المساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، إلى أن التعليم في الإمارات منح اللغة العربية مساحة واسعة، ولكن بأسلوب مختلف عن النمط التقليدي. ويقول إن تعليم العربية لم يعد قائماً على حفظ القواعد فقط، بل أصبح يركز على مهارات التواصل، والإبداع، والابتكار، مع إعادة صياغة المناهج لتشجع التفكير النقدي والكتابة الإبداعية وربط النصوص بواقع الطلبة. ويضيف إن برامج تدريب المعلمين والاختبارات الوطنية أسهمت في رفع مستوى الطلبة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
من جهتها، تقول نجلاء المنصوري، مديرة إدارة شؤون المعلم و«أفتخر به» في هيئة الشارقة للتعليم الخاص، إنه على الرغم من احتضان الإمارات لأكثر من 200 جنسية، فإن ذلك لم يُضعف حضور اللغة العربية. وتفسر هذا التوازن بنجاح الدولة في الجمع بين التعددية الثقافية والحفاظ على الهوية، مشيرة إلى أن الإمارات ليست مركزاً عالمياً للأعمال فحسب، بل حاملة لرسالة ثقافية عربية تتجلى في الإعلام والتعليم والمشهد الحضري والفعاليات الثقافية.
هوية ثقافية راسخة
وفي السياق ذاته، تشير لطيفة الحوسني، مديرة مدارس التكنولوجيا التطبيقية في أبوظبي، إلى أن سياسات تعزيز الهوية الثقافية، ودعم اللغة العربية في المناسبات الوطنية مثل اليوم الوطني، وشهر القراءة، ومبادرات التراث، أسهمت في تعزيز ارتباط المجتمع بلغته الأم.
ويرى الأستاذ الدكتور عطا حسن عبدالرحيم، مدير مركز التعليم المستمر والتطوير في الجامعة القاسمية بالشارقة، أن التراجع اللغوي في بعض الدول العربية يعود إلى أربعة أسباب رئيسة، هي: ضعف الاستثمار في التعليم، وغياب الاستراتيجية الواضحة للغة، وهيمنة اللغات الأجنبية على الفضاء الاقتصادي، وضعف المحتوى العربي الرقمي. ويؤكد أن الإمارات قلبت هذه المعادلة، حين جعلت من لغتها قوة لا عبئاً، ووفرت لها أدوات العصر، لتصبح نموذجاً عربياً فريداً في حماية اللغة العربية وتطويرها.
