الرياض - ياسر الجرجورة في الأحد 14 ديسمبر 2025 09:04 مساءً - في تطور صادم هز الأوساط الديموغرافية في المملكة، انخفض معدل الإنجاب الكلي في السعودية إلى مستويات تاريخية خطيرة وصلت إلى 1.9 طفل لكل امرأة، وهو أقل من معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1 طفل. هذا الرقم المقلق يضع المملكة في مواجهة تحدٍ ديموغرافي حقيقي قد يؤثر على مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الخبراء يدقون ناقوس الخطر: "نحن أمام نقطة تحول خطيرة قد تغير وجه المجتمع السعودي خلال العقود القادمة".
وتشير الإحصائيات الجديدة الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء إلى انخفاض حاد بنسبة 18% خلال ثلاث سنوات فقط، حيث كان المعدل 2.3 طفل لكل امرأة في عام 2020. الدكتورة سارة الغامدي، أخصائية الديموغرافيا بجامعة الملك سعود، تحذر قائلة: "هذا الانخفاض السريع يفوق التوقعات الأكثر تشاؤماً، ونحن نشهد تحولاً جذرياً في السلوك الإنجابي للأسر السعودية". فاطمة، أم لطفلين من الرياض، تعكس هذا التوجه: "التكاليف المعيشية والتعليمية المرتفعة جعلتنا نعيد التفكير في قرار إنجاب المزيد من الأطفال".
وخلف هذا التراجع الحاد عوامل متشابكة تشمل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتأخر سن الزواج، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، إضافة إلى تغير الأولويات الحياتية للأجيال الجديدة. هذا الاتجاه يضع السعودية في نفس مسار دول متقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية التي تواجه أزمات ديموغرافية حقيقية. البروفيسور أحمد العسيري، خبير السكان بجامعة الإمام، يوضح: "نحن نكرر نفس الأخطاء التي وقعت فيها دول شرق آسيا، ولكن بوتيرة أسرع وتأثير أعمق".
وسيؤثر هذا التراجع مباشرة على حياة كل مواطن سعودي خلال العقدين القادمين، حيث تتوقع الدراسات نقصاً في القوى العاملة المحلية، وارتفاعاً في أعباء الرعاية الصحية للمسنين، وضغطاً متزايداً على أنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين تعديل سياسات الهجرة لجذب عمالة ماهرة، أو وضع حوافز جديدة لتشجيع الإنجاب، أو إعادة هيكلة كاملة للنظم الاجتماعية والاقتصادية. منى الشهري، موظفة حكومية وأم لطفل واحد، تقول بقلق: "أخشى أن يجد ابني نفسه وحيداً في مجتمع مليء بكبار السن ونقص في الخدمات".
المملكة تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم يتطلب تدخلاً سريعاً ومدروساً من صناع القرار لوضع استراتيجيات شاملة تعالج جذور المشكلة قبل أن تستفحل. رؤية 2030 قد تحتاج إلى مراجعة جذرية لتشمل السياسات الديموغرافية كأولوية قصوى. هل ستتمكن المملكة من عكس هذا الاتجاه الخطير قبل فوات الأوان، أم أنها ستنضم إلى قائمة الدول التي فشلت في مواجهة "فخ الديموغرافيا المنخفضة" الذي يهدد مستقبل الأجيال القادمة؟
